إذا أرادت أمة ما أن تنهض بمقوماتها الكامنة، وأن تلحق بركب الحضارة فعليها أولاً القضاء على الخرافات المترسبة فيها منذ قرون، تلك الإشكاليات التي أوقعت الأمة في مصير مجهول، ما أخَّرها عن حالة التمدن، وتسبب في عرقلة تطورها. إن مجتمعنا الخليجي عامة، والسعودي خاصة؛ يحاول النهوض دائماً والسير نحو مستقبل مشرق كما فعلت أوروبا وسائر البلدان الأخرى في العالم الثاني. لكن الازدواجية التي يعيشها المجتمع كانت ولاتزال سبب نكوصه، فكلما أراد أن يرسخ ذاته، ويكتشف مواهبه؛ توالت عليه الخرافات من كل جانب من شخصيات تحسب نفسها منقذة له من براثن الجهل، وإن هي إلا الجهل المميت بحد ذاته، هؤلاء شلُّوا المجتمع، وأربكوه ما تسبب في فقدانه هويته الذاتية، وضياع إرادته القوية. هي مرحلة عقود من الزمن ضاعت بلا فائدة تُذكر، وتشكل المعضلة الرئيسية التي نعاني منها اليوم، فمرحلة الصحوة، التي أطلقوا عليها هذه التسمية، لم تكن كذلك، ولن أقول عنها إنها كانت مرحلة غفوة، وإنما مرحلة خدعة انخدعنا بها جميعاً، وأولى تلك الخدع: الإيمان بـ «نظرية المؤامرة»، وأن ديننا في خطر، وأن أمتنا مهددة! والأشد من ذلك أنهم أوهموا، وصوَّروا أن المجتمع الخليجي يعيش في وحل من الآثام، وأنه مرتكب الكبائر، حتى ظننا أنفسنا نعيش في مستنقع من الجهل، أو الجاهلية، كما وصفتها أدبيات سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»، ذلك الكتاب الذي لوَّث كل ما هو جميل، وجعل من شبابنا في حالة جهاد مستمر ضد أي صغيرة يراها في طريقه، إضافةً إلى كتبه الأخرى التي تصف الحكومات العربية بالمرتدة والكافرة. وما ذكرناه هو نزر يسير من الأفكار الرجعية والمتخلفة، التي حكمت على شبابنا بالضياع ما أنتج منظرين جدداً لأفكار قطبية جديدة فاقت التطرف الفكري بتحولها إلى التطرف التطبيقي. فالذين أقدموا على تفخيخ أنفسهم، وتفجيرها في الأنفس البريئة هم جلهم من المتأثرين بأفكار شخصيات تعاني من «أمراض وهمية»، أصيبوا بها بسبب داء الوهم والشعور بالنقصان. صحيح أن السبب الرئيسي وراء تلك المعضلات هو انتهاء مرحلة الخلافة الإسلامية، التي كان مقرها في تركيا، ما تسبب في حالة تشتيت واستعمار بلا إعمار، وتراجع الأمة وتدهور أحوالها، ثم ظهور إسرائيل واستعمارها أرض فلسطين، إلا أن هؤلاء استغلوا هذا الأمر أبشع استغلال بأن جعلوه شماعة لأحاديثهم المتكررة حتى تكون البيئة خصبة، ومناسبة لشحن الهمم، والتأثير في عقول الشباب المسلم للحاق بالتنظيمات الإرهابية، لكون المسؤولية تقع على عاتقتهم لتحرير البلاد الإسلامية، ناهيك عن سرد البطولات الزائفة عن الأسلاف، لتشكل دوافع وطاقة، تدفع الشاب المراهق إلى القيام بعملية فدائية «انتحارية». في الختام: علينا أن ننهض بذاتنا لا بذات غيرنا، وأن نعيد ما سُلب منا لننقذ الأجيال القادمة، وألا نترك علينا وصياً، أو مرشداً، يدعي الكمال والنزاهة، فالمرحلة المقبلة إن لم نتدارك فيها أخطاءنا، ونعالجها فستكون فيها أحوالنا أسوأ مما مضى. العلاج يُكمن في تثقيف الأسرة وتوعيتها بمبادئ التحضر ما يسهل قضية الحوار مع الأبناء، وإزالة الرواسب، وإعطاء جو من الثقة، وهذا العلاج سيكون حصناً منيعاً للشباب يحميهم من أي تنظيمات مشبوهة.
مشاركة :