أكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، أن ما يشهده العالم حالياً من صراعات وأحداث مؤسفة يتطلب أن يكون الجميع أكثر إدراكاً للحاجة الملحة إلى إضفاء روح الأمل والتفاؤل على العلاقات بين الشعوب وبين الدول، داعياً إلى تركيز الجهود على كسر حواجز سوء الفهم، وإحياء تقاليد التسامح والأخوة والحوار، والتبادل المثمر للأفكار والتعاون في مواجهة التحديات. جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح فعاليات المؤتمر الدولي لحوار الحضارات والتسامح الذي ينظمه مركز باحثي الإمارات للدراسات والبحوث ووزارة التسامح والتعايش، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، ومكتب أبوظبي للمؤتمرات والمعارض تحت شعار «تجسير الحضارات ورعاية التنوع»، بحضور قيادات دولية وأممية بارزة، والذي يستمر 3 أيام. وأكد معاليه أن انعقاد المؤتمر الدولي لحوار الحضارات والتسامح، يأتي في وقته المناسب، وأن من يعرفون معاليه يدركون جيداً أنه لا يؤيد أطروحة «صدام الحضارات»، ويفضل دائماً إيجاد طرق أفضل وأكثر فائدة للتفاهم والتعاون والتعايش السلمي في هذا العالم، مشدداً على أن الجميع كأفراد وكأعضاء مجتمعات، مدعوون إلى الاضطلاع بدور إيجابي في هذا المسعى النبيل. السلام والرخاء رحب معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، في كلمته الافتتاحية، بالمشاركين من مفكرين وخبراء عالميين مؤثرين، معرباً عن ثقته بأن لدى المشاركين الكثير الذي نستطيع الاستفادة منه، وخصوصاً رؤيتهم لعالم يسوده السلام والرخاء، وأن وجود هذا الكم من المفكرين والخبراء في أبوظبي اليوم يؤكد المشاركة الفعالة لأبوظبي في الشؤون الدولية والتطور العالمي، كما يعكس بوضوح المكانة البارزة لدولة الإمارات كرائدة للسلام والتسامح بين دول العالم. وأضاف معاليه: «إن الفائزين بجوائز التقدير التي تمنحها المجلة الدولية للحوار بين الحضارات والتسامح يستحقون التحية، لما قدموه من مبادرات مهمة في تعزيز الروابط الإنسانية الإيجابية، ودعم روح الإنسانية، وبما أبرزته مبادراتهم من حس أخلاقي، ونقدر لهم مساهماتهم في المجتمع». وأوضح معاليه أن دولة الإمارات ستظل نموذجاً فريداً وناجحاً للتعايش السلمي والمثمر بين البشر من مختلف الأديان والثقافات والجنسيات والخلفيات، حيث يشعر مواطنو الدول الأخرى بالحرية والأمان في التجارة والتعامل مع الإمارات، ويرغبون في زيارة الدولة، والعيش والعمل فيها، مؤكداً أن هذا الارتياح جاء نتيجة لإدراكهم للفضائل العالمية التي يظهرها مواطنو الإمارات في تعاملهم معهم، وأنه مهما اختلفت ثقافتهم عن الثقافة الإماراتية، فما زال الاثنان مشتركيْن في تقديس فضائل التسامح والأخوة والحكمة والشجاعة، والولاء والعدالة والكرم. القيم الإنسانية قال معاليه: نحن ممتنون حقاً لاستمرار دولتنا الحبيبة، في التزامها القوي بهذه القيم الإنسانية العالمية تحت القيادة المستنيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، فبفضل قيادة سموه وتوجيهاته، تلتزم دولة الإمارات بمواجهة سوء الفهم والتحيز والجهل والخوف والكراهية، لإيمانها بأن التفاهم والاحترام المتبادل بين الناس من مختلف الثقافات والأديان والأعراق يمكنه تحقيق نمو اقتصادي لا مثيل له، مصحوباً بالاستقرار الاجتماعي والسياسي، مع مزيد من إتاحة الفرص لمواطني الدولة وللمقيمين فيها، حيث يحدونا أمل صادق في أن تشهد دول العالم واقعاً مماثلاً لما شهدته وتشهده الدولة. وأضاف معاليه: «إن بناء مجتمع عالمي يسوده السلام والرخاء، يجب أن يرتكز على الالتزام بالقيم الإنسانية العالمية التي نتشاركها جميعاً، وعلينا أن ندرك أن حل المشاكل الاجتماعية، والاقتصادية العالمية، والتفوق في الأسواق العالمية شديدة التنافسية، وتحقيق الاستفادة المثلى من التكنولوجيا الحديثة، وحل الصراعات الإقليمية والعالمية، كلها مرتبطة بإعطاء الأولوية القصوى للاستثمار في الحوار والاحترام والتعاطف والتفاهم والروابط الإنسانية». الشرق والغرب أشار معاليه، خلال كلمته إلى بيت في قصيدة لروديارد كيبلينج نشرت في عام 1889 قائلاً: «يبدو أنها مرتبطة بحوار اليوم، والبيت هو (أوه، الشرق هو الشرق، والغرب هو الغرب، ولن يتفق الاثنان أبداً)، وسرعان ما أصبحت القصيدة مشهورة عالمياً، وكثيراً ما يستشهد بها خارج سياقها، وكثيراً ما يساء تفسيرها، كما أصبحت أساساً لقبول فكرة الانقسامات الثقافية والحضارية التي لا يمكن تجاوزها، ولا يزال هذا الافتراض الذي يصر على وجود فجوة ثقافية وحضارية لا يمكن تجاوزها، سائداً في العديد من أنحاء العالم اليوم»، مؤكداً معاليه أن قراءة أكثر عمقاً للقصيدة تظهر أنه بالنسبة للشرق والغرب، وكافتراض عام، من الممكن الوصول لأرضية مشتركة إذا بذلوا جهداً لمعرفة بعضهم البعض، وهذه الأرضية المشتركة ممكنة إذا أيقن الجميع بأهمية التواصل الذكي والانصات باهتمام، والانخراط في حوار إيجابي، كي يتمكن الطرفان في نهاية المطاف من وضع رؤية مشتركة للمستقبل. رؤى وتحليلات أعرب معاليه، في ختام كلمته، عن أمله في أن يتم التمكن من تقديم رؤى وتحليلات تقودنا لإجراء حوار إيجابي بين شعوب العالم حول القضايا والمشاكل التي نواجهها جميعاً. وقال: نحن في وزارة التسامح والتعايش سعداء بالشراكة مع تحالف الأمم المتحدة للحضارات ودائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي في دعم هذا الحدث. قيمة مركزية من جانبه، قال معالي الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي - عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة أديان من أجل السلام: «إن الحوار في كل الأحوال إظهار للمصالح للوصول إلى التصالح، وإطلاع الأطراف بعضها لبعض لإمكانية الوصول إلى توافق يسمح لكل منهم بأن يصل لمبتغاه من مصلحة مادية أو معنوية». وأضاف معاليه: «إن للحوار قيمة مركزية، وسمة بارزة في الحضارة الإسلامية والعربية، فالحوار هو وسيلة التعارف التي وضعها القرآن الكريم أساس التعارف بين الشعوب والقبائل بين الأرض، والحوار وحده يتيح التعرف والتعريف، التعرف على الغير والتعريف بالنفس، وقد أَصّل الإسلام للحوار، وجعله مبدأً أساسياً للتواصل مع الآخر، القريب أو الغريب، المشابه أو المغاير». وتابع معاليه: «عُبِّر عن الحوار في القرآن والسنة بعبارات متعددة، تشير كلها إلى غاية واحدة، هي الفهم والتفهم، واستخدام الكلام بدلاً عن الحسام، والسلام بدلاً عن الخصام، ولهذا أقرها الإسلام، وأتاح الحلول التوفيقية التي تراعي السياقات، وفق موازين المصالح والمفاسد المعتبرة، وإن حوار الحضارات الذي نجتمع اليوم تحت مظلته - وهو نقيض صدام الحضارات- هو تبادل للأفكار ووجهات النظر للوصول إلى تفاهمات وتقدير للتنوع والاختلاف، وبحث عن القيم والفضائل المشتركة، وإنه تأكيد على أهمية الاحترام المتبادل والتسامح والتعايش بين الحضارات على الرغم من اختلاف اللغات والاعراق والأديان، إنه بناء الجسور بين المجتمعات ونشر لقيم السلم والتعايش. وإنه بحث عن الأحسن وليس الحسن فقط، (وجادلهم بالتي هي أحسن)». وأكد ابن بيه على أن الدعوة إلى الحوار كوسيلة، أمر لا بديل عنه، وطريق لا بد من سلوكها؛ لأنه بديل الصراع الدائم، إنه يُطلع الأطراف على وجود وسائل أخرى للتعايش ومخارج للمشاكل لصالح الجميع ولمصلحة الكل. إنه المنهج الصحيح، فالعقل يرشّحه، والتجربة تصحّحه، والدين يرجّحه، إنّه منهج دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الرشيدة بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. التعايش الإنساني بدوره، قال ميغيل موراتينوس، الممثل السامي لمنظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، إن تعزيز التفاهم والتعاون بين الحضارات والثقافات المختلفة هدف يستحق أن نسعى جميعاً من أجل تحقيقه لصالح الإنسانية في كل مكان، مؤكداً أن الحوار، كما ورد في كلمة معالي الشيخ نهيان بن مبارك، يعد السبيل الأمثل للوصول إلى حلول لكافة التحديات والصعوبات التي تواجهها البشرية، وأن هذا المؤتمر بما يضمه من الخبراء والأكاديميين والمهتمين من مختلف المجالات المرتبطة بتعزيز قيم التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية، يمكنه أن يقدم إضافة مهمة في هذا المجال. مركز إشعاع من جانبه، أكد الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، المستشار محمد عبد السلام، أن أبوظبي أصبحت مركز إشعاع عالمياً لقيم الاعتدال والتعايش والأخوة الإنسانية، فهي عاصمة الإمارات التي اتخذت من قيم الاعتدال منهجاً، ومن الانفتاح سبيلاً، ومن الأخوة الإنسانية شعاراً، بل مبدأ راسخاً رسوخ وثيقة الأخوة الإنسانية التي رعتها الدولة. منصة عالمية أكد اللواء الدكتور أحمد ناصر الريسي، رئيس المنظمة الدولية للشرطة الجنائية «الإنتربول» لـ«الاتحاد» أن حوار الحضارات والتسامح منصة عالمية، مهمة، على أرض دولة الإمارات، دولة المحبة والتسامح، مضيفاً: سعداء وفخورون بالتواجد والمشاركة في هذا المؤتمر الذي يضم نخبة من المفكرين والخبراء، ونحن نرى ريادة الإمارات وقيادتها لهذا الجانب، وإن دولة الإمارات منذ أن تأسست على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» قامت على قبول الآخر. والحوار جزء رئيسي، والسلام شيء مهم، فنرى أكثر من 200 جنسية تعيش على أرض الإمارات في وئام ومحبة، وأصبحت جهة مقصودة من الجميع للعيش فيها، لما بها من تسامح وقبول للآخر. أسلوب علمي أكد الدكتور فواز حبال، رئيس المؤتمر، والأمين العام لمركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات، أن المؤتمر الدولي لحوار الحضارات والتسامح، ينعقد بأسلوب علمي ممنهج ويستند على البحث العلمي والتجارب التاريخية والدينية، للوصول إلى رسم أفضل صورة للمستقبل والتعايش بين الحضارات. ومن جانبه، أكد الدكتور فراس حبال، رئيس مركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات، أهمية المؤتمر في تجسيد التطور والتكنولوجيا في تحقيق الطموح العالمي، في تنمية المجتمعات والحفاظ على حضاراتها.
مشاركة :