1- أدبيات شرح مصطلح «الهوية» في اللغة العربية تقول إنه مشتق من ضمير الغائب (هو) أو الشخص الآخر، مع أن الأصل في معنى المصطلح تعني أنا أو نحن وليس الآخر.. فهي ترجمة لكلمة إغريقية ابتدعها «أرسطو» وتعني (الذات) مما يعني أن الترجمة المقصودة من اشتقاق المصطلح (هوية) هو عكس المعنى الذي أراده «أرسطو» تماماً! 2- يرى بعض المفكرين أن مفهوم المصطلح رسخه الأوروبيون لخدمة عنصريتهم تجاه الآخرين، حتى يقرون ذلك النظام التراتبي للمجتمعات لتبرير استعمارها كما فعل النازيون.. وفكرة الهوية استفادت منها الأنظمة الأمنية في فرض البطاقة الشخصية، والصورة، والبصمة، والحمض النووي لتحديد هوية الأشخاص.. كما استخدمت فكرة الهوية وحمايتها والدفاع عنها كوسيلة لقمع حرية الرأي ومنع النقد، حيث يظهر ذلك وبقوة في الأنظمة الشمولية والعسكرية الدكتاتورية تحديداً. 3- الغالبية العظمى من البشر لا يعيشون على طبيعتهم بل يعيشون وظيفتهم، وهم بذلك تحولوا إلى كائنات وظيفية، لا يزيدون على أن يكونوا أدوات أو آلات، لا بشر يفكرون وينفعلون ويتصرفون وفق ما فكروا به وعقلوه.. من هنا فإن مفهوم الهوية بالنسبة لهم هو جزء من الوظيفة التي يجبرون أنفسهم على حمايتها والدفاع عنها بلا فهم أو قبول، حتى ولو كانت تضر بمصالحهم.. إذاً موضوع الهوية هو في حقيقته أمر خارج احتياج الروح وبعيد عن نطاق العقل، فهو أمر اخترعناه. 4- الهوية هي في شق منها مظهرية تَبِيْن في اللباس والكلام -لغة ولهجة ومفردات- كما تظهر في السلوكيات اليومية، أما شقها الثاني فينعكس في المضمون من خلال القيم والشرائع والشعائر والأعراف.. أي أن الهوية هي التي تشكل تميزنا عن الآخرين وليس تفوقنا عليهم.. هذا هو المفهوم الذي قُصِد به المصطلح، والتميز المقصود هو في الاختلاف عن الآخر مظهرياً وثقافياً وليس التميز عنه جودة وتفوقاً.. ففي هذا الميدان فليتنافس المتنافسون. 5- بقي سؤال الهوية: هل هناك هوية صافية كما يدعي أصحاب العقل القومي أو الديني؟ هل يوجد هوية نقية غير مختلطة ولم تتأثر خلال السنين بالهويات الأخرى؟ الجواب هو (لا) إلا لو كانت تلك الهوية هي لجماعة منعزلة في جزيرة نائية ليس لها اتصال بأحد منذ قرون.. فالهوية في عالم اليوم، العالم الذي أصبح بمساحة شاشة الهاتف الذكي فهي مفتوحة على كل الثقافات الصانعة لكل الهويات على سطح الأرض، لذلك فلا بد للهوية المعاصرة أن تتعرض إلى التلاقح والاختلاط، والتفكك، والتمازج، والتبادل، والتبدل، والتطور، والصعود أو الخفوت، والتجدد، والتوسع، والانكماش، فحياة الهوية مثل حياة الإنسان ذاته حامل الهوية، فما بين ولادتها وموتها تتغير وتتطور وتصيبها عوامل التعرية وتموت. 6- تقديس الهوية يحولها إلى شيء جامد غير قابل للتحول أو التطور، وتدل على أن صاحب الهوية يعاني من عدم القدرة على الاختيار أو التمييز، وأنه يحمل هوية منغلقة وغير منتجة لأنها لا تتطور ولا تنمو، وبالتالي تتحول إلى أزمة تثقل كاهل صاحبها وتصبح حالة مرضية ترى أن كل الخير فيها وكل الشر في سواها. 7- الإنسان كائن متحول متطور ينمو وكذلك هويته، وتقديس الهوية يمنعها من التطور والنمو، فكيف يتم تقديس الجامد!
مشاركة :