يوم التأسيس.. استلهام التضحيات والمحافظة على المكتسبات

  • 2/22/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أكد عدد من الأساتذة الجامعيين لـ"الرياض" على أن الاحتفاء بيوم التأسيس يمثل قوة دافعة للحفاظ على مكتسبات هذه الأرض بعمقها الحضاري وفلسفتها السياسية وموقظا للذاكرة الوطنية بمفاهيمها المختلفة تجاه النظرة إلى الذات والأرض مشيرين إلى أهمية استذكار تضحيات رجال الدولة السعودية في مراحلها الثلاث لبناء دولة عصرية منافسة ومشددين على أهمية الحفاظ على المكتسبات واستكمال البناء والنماء لتكون المملكة دوما في مصاف الدول العريقة والمتقدمة. مشيرين إلى الجهود الكبرى التي بذلها الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- الذي تولى إمارة الدرعية عام 1139هـ/ 1727م، في تأسيس الدولة السعودية الأولى والذي أخذ على عاتقه العمل على تحويل الدرعية البلدة النجدية إلى مركز استقرار لجميع البلدات النجدية، وتحرير منطقة نجد من الفوضى السياسية والجهل. جهود الإمام محمد بن سعود أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور ضيف الله دليم بن رازن قال: عند الحديث عن تاريخ الدولة السعودية وتأسيسها لابد من إعطاء لمحة تاريخية عن الفترة السابقة لها كمدخل للموضوع، ومن هذا المنطلق نتحدث عن الأوضاع العامة في وسط شبه الجزيرة العربية خاصة في نجد قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى. ومن المعلوم أن شبه الجزيرة العربية تتمتع بعدة خصائص تجعلها ذات أهمية كبيرة ومن تلك الخصائص وجود قبلة المسلمين، ووجود الحرمين فيها. كما تتضح فيها الأهمية الجغرافية وذلك بوقوعها وسط قارات العالم القديم (آسيا، أفريقيا، أوروبا) مما جعلها طريقا للتجارة العالمية، وممراً للقوافل وبذلك تكمن أهميتها التجارية وكذلك لقوافل الحج، وذلك مما ساعد على نمو الحركة الاقتصادية. وأضاف بالنسبة لوسط الجزيرة العربية فإنه ينقسم إلى عدة أقاليم، أهمها اليمامة، والتي كانت قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى مفككة كل بلدة لها إمارتها ومن جهة أخرى توجد قبائل شبه الجزيرة العربية والتي تكثر بينها أيضا المنازعات، وبذلك لا يوجد وحدة ولا استقرار سياسي قبيل تأسيس الدولة السعودية الأولى، وذلك هو الطابع السياسي في تلك الفترة. وأكد الدكتور ابن رازن أن الأوضاع الاقتصادية في شبه الجزيرة العربية كانت فيها الزراعة من أهم مقومات الحياة الاقتصادية لدى البلدات النجدية والتي أولوها عناية كبيرة حسب ظروفهم وإمكاناتهم. وكانت البلاد تنتج أنواعا مختلفة من المحصولات الزراعية والخضروات والفواكه، لكن النخيل كانت أهم تلك الأنواع لدى السكان. وكذلك التجارة إذ تعد أيضا من أهم مقومات الحياة الاقتصادية، وتوجد ثلاثة أنماط من التجارة حينذاك: محلية وإقليمية وخارجية. أما بالنسبة لقبائل شبه الجزيرة العربية فمن أهم مقومات حياتهم الاقتصادية الثروة الحيوانية ومنتجاتها وكانت تلك الثروة تتأثر بعاملين أساسيين وهما الأمطار والتي يتوفر معها الرخاء، ومن جهة معاكسة تتأثر تلك الثروة بالغزوات المتكررة مما يؤثر على النشاط الاقتصادي بشكل عام. وأضاف د. ابن رازن الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى تعد نواة الدولة وسميت الدولة بالسعودية نسبة إلى مؤسسها الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- الذي تولى إمارة الدرعية عام 1139هـ/ 1727م، والذي أخذ على عاتقه العمل على تحويل الدرعية البلدة النجدية إلى مركز استقرار لجميع البلدات النجدية، وكذلك عمل على تحرير منطقة نجد من الفوضى السياسية والجهل. وكان ‏الإمام محمد بن سعود يعي أن ذلك سيجعله أمام تحد مع خصومه ومع القوى المحلية في المنطقة وكذلك مع قوى خارجية في الأقاليم المجاورة لنجد لكنه على الرغم من ذلك وإيمانًا منه بحاجة الناس إلى وحدة سياسية في منطقة نجد فقد سعى لإيجاد الأمن والاستقرار والذي بدوره سيفتح أبواباً للبناء والثقافة والعلم والتطور. مؤكدا أن الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى له جهود وإنجازات لا يمكن حصرها، وأضاف لكن لعلنا نأتي بذكر جزء منها، ومن تلك الجهود والأعمال التي قام بها الإمام محمد بن سعود انه وحد الدرعية تحت حكمه وعمل على نشر الأمن والاستقرار فيها وفي البيئة المحيطة بها، وعندما توفر الأمن والاستقرار أصبحت الدرعية مركزا للثقافة والعلوم. كذلك من أعماله -رحمه الله- أن سعى للاستقلال السياسي وعدم التبعية لأي نفوذ محلي أو إقليمي أو خارجي، وكذلك قام ببناء حي الطرفية بجانب حي غصيبة في الدرعية، وذلك البناء والتوسع أدى إلى تحول في القوة في المنطقة، كما كان له جهود في تنظيم موارد الدولة، والاهتمام بالأمور الداخلية وتقوية مجتمع الدرعية. أيضاً عمل الإمام على مناصرة الدعوة ونبذ الخرافات، والحرص على الاستقرار الإقليمي، كما عمل على توحيد معظم منطقة نجد، ودعوة البلدات النجدية للانضمام إلى الدرعية، وكان له جهود كبيرة في التصدي لعدد من الحملات ضد الدولة، ومن أشهر الأعمال التي قام بها خاصة في مجال الأمن والعمران بناء سور الدرعية للتصدي للهجمات الخارجية، وتأمين طرق الحج والتجارة. وأكد أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن الدولة السعودية الأولى تميزت بوجود الأنظمة والإدارة فيها مشيرا إلى أنها قامت على مبدأ واضح هدفه الأكبر جمع شتات البلدات النجدية وقبائل شبه الجزيرة العربية، وأضاف وقد كان الحاكم السعودي يلقب بالأمير حتى اتسعت الدولة فأصبح من ألقابه الإمام. وكان من أهم واجبات الحاكم السعودي الإشراف على شؤون الدولة، وإحلال الأمن والاستقرار. أما ما يتعلق بالأمن والشؤون العسكرية فقد أولى قادة الدولة السعودية الناحية الأمنية اهتماما كبيراً، وتكللت جهودهم بالنجاح، حيث ساد البلاد أمن لم تشهد له مثيلاً من قبل. وأما من ناحية الجيش فلم يكن هناك جيش دائم، إنما يتم إعداد الجيش حسب متطلبات الحال، فكان الحاكم يطلب من أمراء المناطق ورؤساء القبائل تجهيز أعداد من المقاتلين لينضموا للجيش في حال الحاجة، على أنه كان هناك عدد من الجنود الدائمين، مثل الحرس الخاص للحكام، والمرابطين في الحصون. وبين د. ابن رازن أن الأسلحة التي كانت تستخدم السيوف والرماح والخناجر والبنادق، مع وجود مدافع غنموا بعضها من خصومهم وأضاف ومع انهم لم يستفيدوا منها في غزواتهم التوحيدية، إلا أنهم استفادوا منها نوعاً ما في دفاعهم ضد الحملات العثمانية المعتدية. السجل التاريخي المضيء أستاذ التاريخ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور تركي بن شيبان العتيبي قال تأتي قيمة يوم التأسيس من حقيقة أنه قوة دافعة للحفاظ على مكتسبات ابن هذه الأرض بعمقها الحضاري وفلسفتها السياسية ويوقظ الذاكرة الوطنية بمفاهيمها المختلفة تجاه النظرة إلى الذات والأرض. وفهم رقعة الشطرنج الجيوسياسية التي سعت الدولة السعودية (في فتراتها الثلاث) إلى تحديد موقعها عليها، في عالم يسوده مفهوم القوة وتمدد الاستعمار. وأضاف د. تركي: وحين كان الدور السياسي والثقافي والاقتصادي للجزيرة العربية غائبًا في حقب ما بعد الخلفاء الراشدين، فإنه عاد مجدداً إلى مكانه الطبيعي مع الأسرة السعودية والشعب السعودي، بسيناريوهات عنوانها "الإرادة والعزم" ولا يكاد أن يرى لها شبيه في التاريخ الحديث، انطلاقًا من الدرعية بقيادة الامام محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/1727م. لتصبح الدولة السعودية دولة متماسكة، بقيادة فعّالة، ومجتمع مترابط مع قادته ثابتًا في مواقفه وسط الرياح المتغيرة التي هبت على المنطقة. ويؤكد د. الشيباني أن المملكة هي أرض الحضارة والثقافة والوطن الروحي للمسلمين ومنبع العروبة وأصالتها مشيرا إلى أن الارتباط العاطفي بالأرض وتاريخها، الذي يتميز به المجتمع السعودي، حظي بالاهتمام في تدوينات ومناقشات المتخصصين والرحالة المستشرقين. وقال د. الشيباني إن مفهوم "النظرة الإيجابية للذات وللماضي" الذي يشكل تصورات مجتمع ما أو عرق ما، يلعب دورا معنويًا في وحدة وتقدم ذلك المجتمع أو العرق مؤكدا أن صدور الأمر الملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بأن يكون يوم 22 فبراير يومًا للتأسيس، يدلل على العمق الثقافي والتاريخي للمملكة العربية السعودية منذ قيام الدولة السعودية الأولى عام 1727م. وأضاف أما في وصف التاريخ السعودي وجذوره، فقد ذكر صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- بأن: "لدينا عمق تاريخي مهم جداً... يتلاقى مع الكثير من الحضارات. لافتا إلى أن الكثيرين يربطون تاريخ جزيرة العرب بتاريخ قصير جداً، والعكس أننا أمة موغلة في القدم". وأكد د. الشيباني على أن يوم التأسيس هو استشعار للقيم النبيلة والأصيلة، وكذلك المسيرة الطويلة التي رسمتها الدولة السعودية في حقبها الثلاث وكفاحها في النهوض بالكيان وبإنسان هذه الأرض وما تبع ذلك من أمن مستتب وحياة مستقرة. واستلهام يثري تصوراتنا تجاه تاريخنا وإرثنا المتنوع، ويشجع على إعادة قراءة التاريخ الوطني بمنهجية علمية فعّالة. د. ضيف الله بن رازن د. تركي الشيباني

مشاركة :