كشفت الأزمات المتوالدة التي تمر بها الحركة المدنية في مصر عن صعوبة في التعايش بين قوى متنافرة فكريا وأيديولوجيا داخل مظلة واحدة، وهو ما يجعل من بقاء الحركة في ثوبها الحالي أمرا شبه مستحيل مع تفكير العديد من الأحزاب بالانسحاب والانخراط في تحالفات سياسية جديدة مع قوى متقاربة. القاهرة – وصلت الأزمة داخل الحركة المدنية الديمقراطية في مصر إلى ذروتها مع توالي التهديد بالانسحاب من تحالف واسع لأحزاب معارضة لتوجهات الحكومة، وهو ما يفتح الباب أمام البحث عن بديل وسط غموض يسيطر على مستقبل حركة تشهد تنافسا بين قوى لها ميول يسارية وأخرى ليبرالية، تعرضت لانقسامات مع إجراء انتخابات الرئاسة في ديسمبر الماضي، ترتب عليها تعليق عضوية حزبين داخلها. وشكلت أزمة البيان الذي أصدرته الحركة ودعت فيه إلى التظاهر منذ نحو أسبوع، ووجهت فيه انتقادات لاذعة للحكومة بشأن موقفها من أحداث قطاع غزة، قبل أن تعدله، والخلافات بشأن الموافقة على المشاركة في المرحلة الثانية من الحوار الوطني المقرر انطلاقه الأحد، عوامل دفعت بعض الأحزاب إلى الدعوة إلى عقد اجتماع لهيئاتها التنفيذية لتحديد الموقف من الاستمرار في التحالف أو الانسحاب منه. وقال مصدر مطلع داخل الحركة المدنية إن أحزاب الإصلاح والتنمية والدستور والمحافظين لها اعتراضات على طريقة إدارة العمل السياسي داخل الحركة المدنية، وهي أقرب إلى اتخاذ قرار بتعليق عضويتها، أسوة بحزبي المصري الديمقراطي الاجتماعي، والعدل. زهدي الشامي: التوسيع الهلامي للحركة المدنية أضر بها زهدي الشامي: التوسيع الهلامي للحركة المدنية أضر بها وستؤدي الخطوة إلى قصر الحركة المعارضة على أحزاب يسارية، بزعامة التيار الناصري فيها، مقابل الاتجاه نحو توسيع دائرة التيار الليبرالي الحر الذي خرج إلى النور منذ أشهر، لكنه واجه تحديات مع القبض على منسقه العام هشام قاسم وحبسه بعد اتهامه في قضية سب وقذف بحق وزير العمل الأسبق كمال أبوعيطة. وأضاف المصدر ذاته لـ”العرب” أن محاولات عدة جرت لتطويق الخلافات داخل الحركة مؤخرا، غير أن إصدارها لبيان يدعو إلى التظاهر دون الرجوع إلى جميع الأحزاب عطل تحركات التسوية، ويشهد الوضع الآن انقساما واسعا بسبب اتجاه بعض الأحزاب للمشاركة في الحوار الوطني، بينما قرر آخرون الغياب عنه. وستجد الحركة المدنية باتجاهاتها السياسية المختلفة صعوبات للبقاء على ما هي عليه، ومن المناسب اكتفاؤها بأحزاب لها أيديولوجيات متقاربة، تحديدا التيار الناصري الأكثر سيطرة على القرار داخلها، وأن هناك تحركات من قبله لتغيير طريقة التصويت في صفوفها لتكون بالأغلبية بدلا من الإجماع، وهو ما اعتبرته أحزاب ليبرالية محاولة لضمان سيطرة الناصريين وحلفائهم من اليسار على مفاتيح الحركة. ولا يتماشى ذلك مع رغبة أحزاب رؤاها متباينة داخل تحالف واحد، والأفضل أن يعبر كل تيار عن موقفه، وهو أمر يحظى برضاء، وجهات حكومية كان يزعجها وجود تكتل واحد قوي لأحزاب المعارضة. وتضم الحركة المدينة في مصر أحزاب تيار الكرامة، والتحالف الشعبي، والاشتراكي المصري، والدستور، والشيوعي المصري، والعيش والحرية، والعربي الديمقراطي الناصري، والمحافظين، والوفاق القومي، والعدل، والمصري الديمقراطي، والإصلاح والتنمية. ودفع اتساع الهوة المتحدث باسم الحركة المدنية خالد داوود إلى إعلان إنهاء مهمته، حيث وجد من الصعوبة التعبير عن موقف موحد للحركة في ظل خلافات عميقة تشي بأن التحالف يشهد تجاذبا بين قوى لديها رغبة في اتخاذ مواقف متشددة من الحكومة، وأخرى لا تمانع في التقارب معها وتعتقد أن الحوار أداة لتعزيز تواجدها السياسي. وقال نائب رئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض) علاء عبدالنبي إن حزبه لم يعرض عليه آخر بيانين صدرا عن الحركة المدنية، ما جعل هناك قناعة بإقصاء عدد من الأحزاب، مشيرا “لقد دعونا إلى اجتماع المكتب التنفيذي داخل الحزب للنظر في الموقف من الاستمرار أو اتخاذ قرار نهائي بالانسحاب”. وأشار عبدالنبي في تصريح لـ”العرب” إلى أن الأحزاب التي جمدت عضويتها قبل انتخابات الرئاسة لم تعد مرة أخرى، فحزب الدستور لا يحضر اجتماعات الحركة، ما يعني أن المسافات بعيدة بين الأحزاب والشخصيات العامة داخلها. علاء عبدالنبي: الأفضل أن تدشن الأحزاب المتقاربة تحالفا يعبر عنها علاء عبدالنبي: الأفضل أن تدشن الأحزاب المتقاربة تحالفا يعبر عنها وذكر عبدالنبي أن حزب الإصلاح والتنمية له موقف مؤيد للاستمرار في الحوار الوطني مع الحكومة، وسيكون حاضرا في اجتماعات الأحد، وهو موقف غير متفق عليه في الحركة، إذ توجد أحزاب ستقاطع، وبالتالي فالرؤية بشأن التعامل مع مجموعة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية غير موحدة، والخيار الأقرب أن تتجه الأحزاب التي بينها تفاهمات سياسية نحو تدشين تحالف يعبر عنها. وشكلت الانتخابات الرئاسية الماضية نقطة فارقة، فلم تتفق الأحزاب على مرشح رئاسي واحد، وحدث ذلك مع أحمد طنطاوي الذي أعلن رغبته في الترشح ولم يحصل على تأييد الحركة، وخاض فريد زهران رئيس الحزب الديمقراطي الانتخابات دون أن يحظى بتأييد أعضاء الحركة، ما دفعه إلى تجميد عضوية حزبه. وأكد نائب رئيس حزب التحالف الشعبي (معارض) زهدي الشامي أن وجود تحالف يضم تيارات فكرية قريبة في التوجهات أكثر إيجابية مع إمكانية أن تبقى الحركة المدنية وعاء للمعارضة، لافتا إلى أن المشكلات داخل الحركة متكررة، لكن يصعب القول إن الأحزاب تفكر في إيجاد بديل لها. وأوضح الشامي في تصريح لـ”العرب” أن مشكلة الممارسة السياسية في مصر لا تتعلق بالحركة المدنية، بل في ضيق المجال العام وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للنظم الانتخابية الخاصة بانتخابات البرلمان المقبل، ومدى جدية الحكومة في الذهاب إلى عقد انتخابات المحليات المجمدة منذ سنوات، والمعارضة شاركت في الحوار الوطني ولم تصل إلى نتيجة ملموسة، ومن المنطقي التفكير في عدم المشاركة مرة أخرى. وشدد على أن جوهر الأزمة يتمثل في أهمية أن تترك الحكومة المساحة مفتوحة للعمل السياسي، ما يوجد منافسة في إطار قواعد نزيهة وحرة وعادلة، تؤدي إلى تقوية الأحزاب وتجعلها أكثر قدرة على اتخاذ مواقف قوية، وفي تلك الحالة سيكون لها ظهير شعبي، وما يحدث حاليا في الحركة المدنية هو نتاج طبيعي للأجواء العامة. وذهب زهدي الشامي إلى تأكيد أن التوسيع الهلامي للحركة المدنية أضر بها، وكان من المفترض أن تبقى قاصرة على الأحزاب التي ساهمت في تأسيسها، حيث تعرضت لضغوط عدة وظلت صامدة بفعل التقارب بين أعضائها قبل حدوث انفراجة سياسية قادت إلى ضم أحزاب جديدة، بعضها له رؤى قريبة من الحكومة. وتأسست الحركة المدنية عام 2017، وضمت ثمانية أحزاب قبل زيادتها إلى 12 حزبا، إلى جانب عدد من الشخصيات المستقلة، وأظهرت قدرا من التماسك قبل الانتخابات البرلمانية عام 2020، واختارت أحزابها الدخول بجانب أحزاب محسوبة على الحكومة السباق الانتخابي.
مشاركة :