هل يصبح الاقتصاد الألماني تابعاً للقارة الأوروبية العجوز ؟

  • 4/7/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد اقتصادات كبرى عدة حول العالم، مرحلة انتقالية تحاول فيها تغيير استراتيجياتها ومواردها، حيث بدأت الصين مؤخراً تخفيض عملياتها الخاصة بالتعدين، في الوقت الذي تحاول فيه أيضاً الدول النفطية الغنية تنويع اقتصاداتها بما يضمن استدامته في ظل الانخفاض الجنوني الذي ضرب أسعار النفط العالمية منذ أواسط 2014، بينما تكافح روسيا للخروج من مأزق العقوبات الغربية المفروضة عليها، فضلاً عن أن تباطؤ الأسواق الناشئة جعل الاقتصاد الألماني معرضاً للمزيد من المخاطر، وبالتالي القارة الأوروبية أيضاً. وفي الوقت الذي كانت تعاني فيه مشاريع عدة من أزمات عدة تعصف بها في القارة الأوروبية، فإن الشركات الألمانية كانت مزدهرة في عملياتها التجارية المرتبطة ببعض السلع والتقنيات في تعاملاتها مع الدول ذات الاقتصادات الناشئة التي ترغب في التحول إلى دول متطورة اقتصادياً. ومثلت ألمانيا رمانة ميزان الاقتصاد العالمي المترنح الذي انعكس في صور عدة منها أزمة الدين اليونانية، التي سحبت بدورها اقتصادات أوروبية عدة نحو الهاوية. والآن يبدو أن ألمانيا التي تمثل الجزء الأكبر من الاقتصاد الأوروبي بدأت باتخاذ طريق تنازلي ربما تؤدي بها إلى مستنقع الركود. ومقارنة بالاقتصادات الأوروبية الأخرى، فإن الاقتصاد الألماني كان أكثر عمقاً في ارتباطه مع الأسواق الناشئة، كما أن الوضع السياسي الراهن يؤجج من حالة عدم الاستقرار السياسي، التي تتمثل في التدفق الكبير للاجئين والنازحين، إلى ألمانيا تحديداً، باعتبارها مستقراً أو معبراً إلى دول أخرى من القارة الأوروبية، فضلاً عن احتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يؤجج حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي يمكن أن يؤثر في أداء الاقتصاد الألماني ككل. وخلافاً لما كان في السابق، فإن الصادرات الألمانية بدأت باتخاذ توجه هبوطي أكثر، بينما يبدو أن الثقة التجارية بدأت بالتضاؤل أيضاً في ظل هذه التقلبات وحالات عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، حيث انخفضت صادرات بعض شركات الآليات إلى الصين بأكثر من 50%. وقال هاينز رايزر مدير شركة غيكوف بيرغباتشنيك للآليات الثقيلة المتخصصة في مناجم الفحم الحجري، إن شركته كانت تبيع في السابق نحو 20 آلية تبلغ قيمة الواحدة منها نحو 4 ملايين يورو إلى الشركات الصينية العاملة في مجال استخراج الفحم، بينما بلغت مبيعاتهم العام الماضي نحو 8 آليات فقط، ما حدا بالشركة إلى تسريح نحو 300 من موظفيها بسبب انخفاض عائداتها بشكل كبير. تبعات اقتصادية أشارت تقارير وتحليلات اقتصادية متخصصة عدة، إلى أن ضعف الاقتصاد الألماني سيلقي بظلاله على الاقتصاد الأوروبي عموماً، وأن ذلك سيؤدي أيضاً إلى نشوء تبعات اقتصادية وسياسية على القارة. وبالنظر إلى الانخفاض الملحوظ في حجم الصادرات الألمانية إلى الخارج، فإن هنالك شعوراً عاماً بحالة من القلق وعدم الاستقرار بين ثنايا الاقتصاد الألماني. وكما هو الحال مع الاقتصادات الكبرى حول العالم، فإن هنالك دولاً أوروبية تتمنى أن يضرب الركود أروقة الاقتصاد الألماني بسبب الخلفيات التاريخية وهيمنته على مفاتيح اقتصاد منطقة اليورو لفترة طويلة من الزمن. ومن غير الواضح إذا ما كان في إمكان القارة الأوروبية الخروج من عنق زجاجة أزمة ديونها من دون دعم من ألمانيا التي طالما كانت المنقذ لأزمات عدة، حيث تسهم ألمانيا بأكثر من ربع الأموال التي تعزز من آلية الاستقرار الاقتصادي في القارة الأوروبية، من ضمنها برنامج إنقاذ اليونان الذي حال بين سقوطها وإعلان إفلاسها. ليس ذلك فحسب، بل إن الألمان أنفسهم حالوا دون وقوع أزمة في الطلب على السيارات الأوروبية الأخرى، فعندما شهد منتجو السيارات من الأوربيين، مثل فيات الإيطالية ورينو الفرنسية، أزمة كبرى في مبيعاتهم بداية عام 2009، كان المستهلكون الألمان لا يركزون على شراء سيارتهم المصنوعة محلياً مثل مرسيدس وفولكس واغن، بل إنهم أسهموا في ألا يقع منتجو السيارات من الأوروبيين الآخرين في أزمات مالية، مما يعكس الدور الكبير للمستهلكين الألمان في الحفاظ على استقرار بعض قطاعات السوق الأوروبية. مكانة اقتصادية مكن الوضع المالي القوي لألمانيا من أن تصبح القوة الاقتصادية والسياسية المهيمنة على مراكز القرار الأوروبي، حيث كانت لها الكلمة العليا في فرض سياسات تقشفية على اليونانيين الذي اعترضوا عليها في بادئ الأمر، بيد أن علو كعب الألمان بدا واضحاً برضوخ اليونان وجميع الأطراف المعنية بالأزمة، الذين كانوا في موقف معارض لتوجهات المستشارة أنجيلا ميركل. ورغم المكانة الكبرى والقوة المهيمنة التي تتمتع بها ألمانيا في القارة الأوربية، سياسياً واقتصادياً، فإن مواقفها السياسية بدأت مؤخراً باكتساب نوع من الضعف إلى أن أصبحت الآن وفقاً لمراقبين عدة في مصاف الدول المهمة فقط في القارة، عوضاً عن كونها في السابق القوة الاقتصادية والسياسية المهيمنة. وكانت ألمانيا خلال العقد الماضي بمثابة مركز تجاري للدول المتقدمة التي تستورد منها العديد من الآليات الحديثة والتقنيات الصناعية المتطورة وتقوم بإنشاء المصانع ذات الجودة العالية، ولكن الزيادة في الطلب على المنتجات الألمانية من دول مثل الصين وروسيا والبرازيل، وغيرها، جعل ألمانيا حصينة ضد المشكلات والصعوبات المالية التي تواجه جيرانها من الأوروبيين. تغير المعادلة مؤخراً بدأت تلك المعادلة بالتغير لمصلحة اقتصادات عالمية أخرى، مثل الصين التي أصبحت تمثل منافساً قوياً لألمانيا في صناعة السيارات بفضل النمو الملحوظ الذي يشهده القطاع، الذي تضاعف عن العام الماضي ليبلغ نحو 4% هذا العام، إضافة إلى دلالات أخرى تتمثل في انخفاض الصادرات الألمانية إلى الدول المنتجة للنفط بمقدار 7% العام الماضي، نتيجة تباطؤ الاستثمارات المرتبطة بقطاعات النفط والغاز بسبب انخفاض أسعارهما منذ أمد، حتى أصبحت ألمانيا الآن تبحث عن أكثر الأسواق نشاطاً وطلباً لمنتجاتها بعد أن كانت تنتظرهم في السابق من دون البحث عنهم. ويبدو أن هنالك عوامل عدة ترجح التكهنات التي تشير إلى أن الوضع الاقتصادي لألمانيا في القارة الأوروبية سيصبح مجرد تابع للحالة الاقتصادية العامة فيها، بعد أن كانت القوة الاقتصادية المهيمنة لعقود عدة، فرغم وضعها المالي القوي فإنها ليست بمأمن كبير عن التقلبات العالمية الأخرى، التي تنعكس مثلاً في الاقتصاد الأمريكي الذي يبدو أنه أضعف مما يبدو، وحالة الركود التي تضرب أرجاء الاقتصاد البرازيلي، إضافة إلى روسيا التي عانت ولا تزال، انخفاض أسعار السلع الأساسية وأسعار النفط. كما أن رفع العقوبات الإيرانية يمكن أن يؤثر بطريقة غير مباشرة، في أداء الاقتصاد الألماني، رغم عدم تمتع إيران بالقوة الكافية للتأثير في الاقتصاد الألماني بشكل مباشر. فهل سيصبح الاقتصاد الألماني تابعاً فقط للقارة الأوروبية، ومعرضاً للمخاطر والتقلبات التي تشهدها بعد أن كانت حصينة ضدها بفضل وضعها المالي القوي؟ أم أنها ستواصل سطوتها وفرض كلمتها وسيطرتها على مفاصل القرار في الاتحاد الأوروبي؟

مشاركة :