التقاء أكبر غريمين سياسيين في العراق رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عند مصلحة إزاحة عدد من الخصوم الآخرين وتقاسم مقاليد السلطة إثر الانتخابات القادمة، ليس أمرا مستحيلا في العملية السياسية العراقية التي كثيرا ما قامت على عقد الصفقات المصلحية والظرفية والجمع بين الأضداد والمتناقضين. بغداد- امتدح رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في بيان صادر عن مكتبه وموقّع باسمه جماهير تياره على تماسكها وطاعتها له، موجّها هياكل التيار بعدم تجاهلها “والسعي بصورة أكبر لخدمتهما من الناحية الاجتماعية والثقافية والعلمية والتواصل معها، وموصيا بـ”معاقبة كل من يقصّر معها”. وبدا الصدر من خلال مجاملة أتباعه من دون مناسبة واضحة بصدد التهيئة لتمرير قرار جديد يتضمنّ عدولا عما سبقه، ونقضا له، كما هي عادته في ممارسة العمل السياسي بأسلوب شديد التقلّب وصل حدّ اتخاذ القرار ونقيضه ما سبّب حالة من النفور واهتزاز الثقّة لدى بعض أنصاره. ولم تستبعد مصادر سياسية أن يكون زعيم التيار الصدري بصدد التهيئة النفسية لجمهوره للعدول عن قراره السابق بالانسحاب من العمل السياسي ومقاطعة الانتخابات، وهو قرار لم يرق للكثير من أتباع الصدر الذين وقفوا خلال الانتخابات المحلية الأخيرة على خسائر التيار الصدري بتراجع مكانته في المحافظات وحصول أبرز خصومه السياسيين على المواقع القيادية في حكوماتها المحلّية. نوري المالكي: هناك معلومات عن توجهات لدى التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات القادمة نوري المالكي: هناك معلومات عن توجهات لدى التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات القادمة ولفتت المصادر إلى أنّ الصدر الذي راهن على عرقلة العملية السياسية من خلال مقاطعتها وقف على حقيقة مفادها أن تلك العملية ماضية في طريقها رغم غياب تياره ذي الوزن الجماهيري الكبير عنها. وقال أحد المصادر إنّ الصدر لم يعد مستعدّا لتعميق خسائره من خلال مقاطعته للانتخابات التشريعية المقرّرة للسنة القادمة وتعمل بعض الأطراف السياسية على تقديم موعدها، خصوصا وأنّه رأى كيف تمكّن خصومه بعد الانتخابات الماضية، ورغم سحب نوابه من البرلمان، من التحالف ضدّه تحت مظلة الإطار التنسيقي وشكّلوا الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني وفازوا بأبرز حقائبها الوزارية، وتقاسموا وظائفها الإدارية الأمر الذي زاد من تمكّنهم من مفاصل الدولة. وكان نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق هو أول من أعلن عن إمكانية عودة زعيم التيار الصدري عن قرار مقاطعة الانتخابات. وقال المالكي الذي يرأس حزب الدعوة ويقود ائتلافا برلمانيا تحت مسمّى ائتلاف دولة القانون مؤخرا في حديث لوكالة الأنباء العراقية إنّ هناك معلومات عن توجهات لدى التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات القادمة سواء تمت في موعدها أو أجريت بشكل مبكّر. وأشار إلى أنّ الصدريين هم الأكثر مطالبة بإجراء انتخابات مبكّرة. ومن جهته لم ينف التيار الصدري ما أورده المالكي، واكتفى زعيمه في بيانه الأخير بالثناء على قواعده الشعبية “التي صبرت وأثبتت إخلاصها بعد انسحابنا من مجلس النواب كي لا تكون ظهيرا للفاسدين”، وذلك “على الرغم من العدو ومراهنته على تشتّتها”. كما حرص الصدر في بيانه على إبراز عامل الطاعة لدى تلك القواعد موجّها لها الشكر على “تجسيدها لأعظم معاني الطاعة.. في مساندتها للإصلاح بما يثبت كونها أفضل القواعد بمعنى الكلمة”. وعلّق نائب صدري سابق في البرلمان العراقي على البيان بالقول إنّ ورود ذكر المقاطعة السابقة للبرلمان لا يعني بالضرورة وجود نية لتجديدها مؤكّدا أنّ “إفساح المجال للفاسدين لتشكيل حكومة أخرى على غرار الحكومة الحالية لم يعد خيارا لدى الصدريين وقيادتهم”. اقرأ أيضا: • العراق طلع من الحفرة ووقع في "دُحديرة"! ومن جهته قال أحد المصادرالسياسية إنّ “نوري المالكي لا يمكن أن يتحدّث من فراغ بشأن رغبة الصدريين في تقديم موعد الانتخابات القادمة، لأن ذلك يشكّل مقامرة بمصداقيته لأنّ التيار الصدري يستطيع ببساطة أن يكذّبه وهو ما لم يقم به إلى حدّ الآن”. وأوضح ذات المصدر أنّ “إجراء انتخابات مبكّرة ينطوي على مصلحة كبيرة لزعيم دولة القانون المهتم بالعودة إلى رئاسة الحكومة في ظل منافسة يعلم أنّها ستكون قوية من قبل رئيس الوزراء الحالي خصوصا إذا استكمل فترته ونجح خلالها في الدفع ببعض الإصلاحات المطلوبة شعبيا وتحقيق عدد من الإنجازات الاقتصادية وخصوصا الاجتماعية”. وأضاف “بنفس القدر ينطوي قطع مسار السوداني وعدم تمكينه من الاستمرار على رأس الحكومة حتّى نهاية مدّته القانونية على مصلحة كبيرة لمقتدى الصدر، وذلك من منطلق عدائه الشديد للإطار التنسيقي الذي انتزع منه امتياز تشكيل الحكومة رغم تحقيقه نتائج كبيرة في الانتخابات الماضية”. ورأى أنّ “اقتراب الصدر من المالكي وتعاونهما بدرجة ما على إزاحة أطراف أخرى في الإطار سيعتبر اختراقا يحسب لزعيم التيار الصدري الذي سيسوّق لأنصاره الأمر باعتباره نجاحا في شق صفوف الهيكل السياسي الذي وقف في وجههم”. ◙ الصدر بدا من خلال مجاملة أتباعه من دون مناسبة واضحة بصدد التهيئة لتمرير قرار جديد يتضمنّ عدولا عما سبقه، ونقضا له، كما هي عادته في ممارسة العمل السياسي ولا يبدو مما حدث بعد الانتخابات المحلّية الأخيرة أنّ الإطار التنسيقي الجامع لأبرز الأحزاب والفصائل الشيعية لا يزال يتمتّع بنفس الوحدة والتماسك الداخلي اللذين ميزاه خلال عملية تشكيل حكومة السوداني والفترة الأولى من عملها، حيث أظهر التنافس الشديد بين أقطاب الإطار على الفوز بالمناصب القيادية في الحكومات المحلية افتراقا في المصالح تجسّد كأوضح ما يكون في الصراع الذي دار بين كلّ من زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وزعيم ميليشيا بدر هادي العامري على منصب محافظ ديالى، الأمر الذي منع تشكيل حكومة محلية للمحافظة رغم تجاوز المدّة القانونية المخصصة لذلك. ولم يبدُ نوري المالكي الذي يعتبر أبا روحيا للإطار التنسيقي وأبرز قياداته من خلال خطابه السياسي خلال الفترة الأخيرة مهتما بالحفاظ على تماسك الإطار ووحدته، قدر اهتمامه بإضعاف باقي القيادات الذين شكّلوا منافسين شرسين له على النفوذ في المحافظات في مظهر على قوّتهم السياسية التي يمكن أن تستخدم ضدّ طموحه للفوز مجدّدا برئاسة الحكومة. وتحدّث المالكي في برنامج تلفزيوني بسلبية عن الإطار التنسيقي وقال إنّ صراعا نشب بين مكوّناته إثر انتخابات المحافظات بسبب عدم التزام تلك المكوّنات بتوصيات لجنة الإطار حول الاستحقاقات الانتخابية. وأوضح أن استحقاق دولة القانون هو ثلاثة محافظين في حين أنّه لم يحصل سوى على منصبي محافظين اثنين بسبب رغبة الوصول لدى بعض إطراف الإطار التي نسيت الالتزام السياسي. لكنّ رئيس الوزراء الأسبق والمعروف ببراعته الاستثنائية في نسج التحالفات المصلحية الظرفية، والانقلاب سريعا على حلفائه حالما يحقق أهدافه، تحدّث بإيجابية غير معهوده عن زعيم التيار الصدري الذي شكل في فترات سابقة ألدّ خصومه السياسيين. زعيم ائتلاف دولة القانون يتحدّث بإيجابية عن زعيم التيار الصدري ويصف من يؤججون العداء بينهما بالمفلسين سياسيا ووصف المالكي موقف من يقومون بتأجيج الخلاف بينه وبين الصدر بـ”موقف العاجزين والمفلسين سياسيا”، معتبرا أنّ بعض الأطراف السياسية في الإطار التنسيقي استفادت من غياب التيار الصدري عن البرلمان، ومؤكّدا أنّ “مصلحة العراق تقتضي عودة التيار وتحّمل المسؤولية باعتباره يمثل جزءا من الشعب العراقي”. كما جاء كلام رئيس حزب الدعوة واضحا في دعوة الصدر إلى المصالحة متوقّعا حدوث ذلك بالفعل بين التيار الصدري وائتلاف دولة القانون كون “العمل السياسي لا يضع أي خطوط حمراء”. وقياسا بما بلغه الصراع مؤخّرا بين التيار الصدري وعصائب أهل الحقّ من حدّة وصلت حد استخدام الطرفين للسلاح لتصفية الحسابات بينهما، لا يبدو الاستتمرار في العداء مع نوري المالكي أولوية لمقتدى الصدر بقدر أولوية توجيه الصراع ضدّ قيس الخزعلي قائد العصائب وهو أيضا هدف مشترك مع المالكي نفسه الذي لا يبدو مرتاحا لصعود الخزعلي وتوسّع نفوذه.
مشاركة :