قبل موعد أذان المغرب، يتجلى مشهد تبادل أطباق الإفطار بين الجيران، والتي تتزين بالمأكولات الرمضانية الشعبية، وهي سمة مميزة من سمات الشهر الفضيل، تعبيراً عن التلاحم والترابط الاجتماعي ونشر المودة والمحبة، وتأكيداً على ملء القلوب بمعاني الأخوة والتراحم والتكافل الاجتماعي. تلك الأجواء الروحانية لم تفقد بريقها في الفرجان والأحياء الشعبية والمدن أيضاً، ولا يزال الكثيرون يحرصون على هذه العادة الحميدة التي تعزز روح المحبة بين العائلات. تقارب وتكاتف تقول مريم سلطان المزروعي، باحثة في التراث، إن شهر رمضان كان له مذاق خاص في الماضي، فهو شهر العبادة والمودة والتراحم والتقارب، حيث حكايات الجدات التي كانت تُروى على الصغار بعد الإفطار، وحرص الأهل والجيران على التواصل والتزاور فيما بينهم، ما يشير إلى قوة العلاقات بين أبناء الفريج الواحد. وتستذكر المزروعي حديث جدتها شمسة بنت حميد، «رحمها الله»، كيف كان الجار يشعر بجاره، وهذا التكاتف كان واضحاً في المناسبات الدينية كشهر رمضان الكريم، شهر العبادة والطاعات والرحمة، والذي كان له طابع خاص وطقوس وعادات جميلة. فكان الرجال يقضون الفترة الصباحية بالذهاب إلى السوق لتوفير ما تحتاجه الأسرة، كل على حسب استطاعته، وفي فترة القيلولة ينامون تحت ظل شجرة الغاف أو السدر، ومن بعد صلاة العصر يعودون لمتابعة حلالهم من «هوش وبوش». أما النساء فكن يجهزن وجبة الإفطار من بعد صلاة العصر، وحتى قبل أذان المغرب. حليب وتمر وتضيف المزروعي: أيام طفولتي كانت وجبة الإفطار في مرات عديدة لا تزيد عن اللبن أو الحليب والتمر والقهوة العربية المفعمة برائحة الهيل، وعندما كبرت قليلاً تغيرت الحياة بعض الشيء وبدأنا في الاستقرار بحكم طبيعتنا كبدو، فأصبح «الفريج» يجمعنا كأسرة وعائلات مترابطة، تعلمنا الكثير من بعضنا، وأصبحت أكلاتنا الشعبية متنوعة ما بين اللقيمات والفقاع والبلاليط والعيش الشيلاني بالسمن مع السمك أو اللحم، والخمير والجباب والهريس. وأذكر عندما جاء «الفيمتو» كنا نصبه في فنجان قهوة ونتناوله من دون خلطه بالماء، وكان طعمه شديد الحلاوة. تقاسم الطعام توضح المزروعي مدى التلاحم والترابط بين الأسر قديماً، قائلة: كنا نتقاسم الطعام، ونساعد بعضنا، وكانت المرأة عندما تعد وجبتها تحسب حساب جيرانها، وعادة ما يتم تبادل الأطباق قبل أذان المغرب، حيث الوجبات الشهية التي تنتقل من بيت لآخر، كعادة اجتماعية حميدة وجميلة. وهذه العادة كانت تستمر طوال شهر رمضان الكريم، حيث كان الأطفال يركضون بين البيوت والأزقة حاملين الأطباق بين أياديهم الصغيرة، لتوزيعها على الأهل والجيران، ليتعلموا عادات احترام الجار، وعلامات الفرح والسعادة مرسومة على وجوههم. صامدة ومتوارثة تؤكد مريم المزروعي، أن الصيام لا يقتصر على الجوع والعطش، بل هو شهر عبادة وطاعة، له حلاوته ومذاقه الخاص في مجمعتنا، وله دوره في تآلفنا، حيث تجتمع النساء ويتسامرن ويسعدن بالصحبة والجيرة. واليوم لم تختلف هذه العادات الجميلة، ولا تزال صامدة ومتوارثة من الأجداد إلى الأبناء.
مشاركة :