اليوم العالمي للشعر: خمسة أسئلة لعبد الحق ميفراني مدير دار الشعر بمراكش

  • 3/20/2024
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يحتفي العالم يوم غد الخميس باليوم العالمي للشعر الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) يوم 21 مارس من كل سنة، باقتراح من المغرب سنة 1999. في هذا الحوار، يجيب الشاعر والناقد ومدير دار الشعر بمراكش، عن خمسة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء حول أهمية هذا اليوم العالمي، وأدوار الشعر في زمن الحروب والأزمات، ومساهمة دار الشعر بمراكش في فعاليات الاحتفاء بمراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي برسم سنة 2024، ومقترحات الدار للنهوض بالشعر وأهله على المستوى الوطني. 1. تم إقرار اليوم العالمي للشعر من طرف اليونيسكو سنة 1999. أي إضافة قدمها في نظركم هذا الموعد السنوي في خدمة الشعر والتعريف بأدواره على مدى ربع قرن؟ أفترض أن التحسيس بقيم الشعر وشيوعها أرقى ما أمكن أن يتحقق، لا يحتاج يوما عالميا للتعريف بوظيفة جنس تعبيري انغرس في الوجدان الإنساني منذ القدم، ولا أن نخصص يوما "احتفاليا" قد يكفي، على الأرجح، في جعل الشعر مهيمنا في مشهد يتجه إلى الجدار أو إلى نهايته كما يبدو. ولعل قصائد الشعراء، وعلى امتداد التاريخ، نبهت أكثر من مرة إلى الحاجة الماسة لإنسانية الإنسان باعتبارها جزءا من الفقدان المزدوج والمتكرر. كما أن الصعود القوي لأيديولوجيات التدمير جعل الشعراء يواجهون هذا المصير التراجيدي، وهو ما يدفعنا اليوم، وفي كل مرة، أن نعيد التحسيس بقيم الشعر ووظائفه وانغراسه في الوجدان باعتباره شكلا من أشكال المقاومة الذاتية، وضدا على التيئيس وهذه الهيولى التي تبدو في الأفق. 2. يشهد العالم اليوم تناميا في خطابات الكراهية والتطرف والحروب، أي أدوار تفترضون أن الشعر يقوم بها في تعزيز قيم الحوار والتسامح؟ تقوم بنية الخطاب الشعري ونسقه على أنه يتجه دوما وأبدا للإنسان ولقيم التسامح والمحبة، إنه جزء مهم ومركزي في نسقه وفلسفته الداخلية. والشعراء حراس النور والضوء وهم القادرون على إضاءة النفق عندما ينغرس ظلام وسوداوية خطابات الكراهية وتصبح قاعدة أيديولوجية خاضعة للتنميط، بل وهي السائدة والمهمينة. والشعر في تضاده وقدرته على نسج أقانيم الجمال وطروس من الحب استطاع على امتداد التاريخ أن يحافظ على صوته المفرد، بل وحتى في أقسى لحظات اليأس وأعلى درجات النزول إلى الهاوية والقاع (انتحار الشعراء) لم يكن الأمر إلا صرخة من الشعر كي يتغير العالم.. نعم باستطاعة الشعراء أن يغيروا العالم، وباستطاعة القصائد أن تكون ميسم خلاص العالم من كراهيته لذاته. 3. عطفا على السؤال السابق، يطفو إبان الأزمات والكوارث الطبيعية نقاش حول جدوى كتابة الأشعار في ظل الأحداث الأليمة، بين من يرى ذلك ترفا فكريا ومن يرى في الشعر بلسما لا بد منه في مثل هذه الأوقات. ما رأيكم في هذه القضية؟ جرت العادة، في الكثير من المحطات واللحظات الإنسانية المفجعة، أن يتقدم الشعراء كي يرتقوا آلام اللحظة. هم صوت الألم الدفين لا يحتاج ل"سيلفي" ولا "بلوغور" بارع في صياغة آلاف وملايين "اللايكات" (نقرات الإعجاب). تكفي أحيانا قصيدة واحدة أو شذرة أو بيت شعري قصير. إن للكلمة "سلطة مجازية" تمسح دمعة طفلة أو تصبح بلسما وترياقا لقلب جريح أو تسعف مفقودا في دهاليز التيه أو تصبح ترياقا لجسد أنهكه انتصار الألم. الأدب عموما، ظلت تلك وظيفته وصوت الإنسان الداخلي والقادر على عبور جغرافيات الألم بحثا عن تلك الكوة من الأمل. 4. تحتفل منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) هذه السنة بمدينة مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي. هل تكتسي المدينة الحمراء خصوصية ما في مجال الإبداع الشعري، وما إسهام دار الشعر بمراكش في هذه الاحتفالية؟ فعلا تم اختيار مدينة مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، لعام 2024، وأشرفت كل من منظمة (ايسيسكو) ووزارة الشباب والثقافة والتواصل على الإعلان الرسمي لبرنامج هذه الاحتفالية، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والذي يتضمن تنفيذ أنشطة على مدار عام كامل، في إطار برنامج الإيسيسكو لعواصم الثقافة. وتهدف هذه التظاهرة إلى "دعم دور الثقافة في التنمية المستدامة وترسيخ أهمية احترام الحقوق الثقافية والثقافات المتباينة، لتحويل هذه المدن إلى وجهات ثقافية ودعم رأسمالها الثقافي". وبالحديث عن مدينة مراكش، فهي أيقونة المدن الكونية، بمكانتها التاريخية وواجهة ثقافية عالمية اشتهرت بإنتاجها الثقافي والتراثي والأدبي، معززة صورتها كواجهة لتعزيز قيم التعايش والحوار. وهي أيضا مدينة الشعر والشعراء، من خلال ما قدمته من تجارب شعرية أغنت شجرة الشعر المغربي الوارفة، بل هي المدينة التي شهدت إصدار أول ديوان شعري مغربي، وهو ديوان "أحلام الفجر" للشاعر عبد القادر حسن العاصمي الصادر سنة 1935. وكنا سعداء في دار الشعر بمراكش أن ننظم تظاهرة ثقافية وشعرية كبرى يومي 7 و8 مارس الجاري بتنسيق مع منظمة (إيسيسكو) وكلية اللغة العربية بمراكش، شهدت تنظيم ندوة علمية بمشاركة الأساتذة والباحثين أحمد قادم، وردة البرطيع، عادل عبداللطيف، محمد زهير، ثريا إقبال، وعبدالكبير الميناوي الذين حاولوا على مدار جلستين علميتين استقصاء ومقاربة صورة مراكش في عيون السرد والشعر العربي المعاصر، وتنظيم لقاء شعري وفني عرف مشاركة الشاعرة مليكة العاصمي، قصيدة 8 مارس 2024، فيما أحيت جمعية عبدالله الشليح لهواة الملحون الحفل الفني للتظاهرة. ويأتي هذا اللقاء في سياق "إشراك جميع الجهات المختصة في العمل الثقافي والتراثي في أنشطة الاحتفالية التي تكرس دور المدينة الحمراء الثقافي على المستوى الدولي". 5. يحفل المغرب بالعديد من المبادرات الرامية إلى النهوض بالشعر والشعراء منها ما هو رسمي ومنها ما هو مدني. ما هي مقترحاتكم في دار الشعر بمراكش لتعزيز هذه المبادرات؟ أفترض شخصيا أنه يتعين تعزيز حضور الفعل الثقافي في السياسات العمومية، خصوصا أننا نتحدث عن المملكة المغربية بتعددها اللساني وتنوعها الثقافي الزاخر والخصب (من الفصيح إلى الأمازيغية إلى الحساني إلى الزجل) بروافدها المتعددة هي أيضا. نحن أمام "شبه أرخبيل"، يقع في نقطة مركزية من العالم ويتواشج فيه البعد المتوسطي بالإيبيري بالإفريقي بالعربي بالإسلامي. لقد استطعنا في دار الشعر بمراكش، ومنذ التأسيس سنة 2017 بموجب بروتوكول تعاون بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة، أن نشتغل ضمن استراتيجية نادينا بها طيلة سنوات، وهي ترسيخ حضور الشعر ضمن السياق المجتمعي. وعبر العديد من المبادرات التي أطلقناها استطعنا أن نذهب باللقاءات إلى البادية والجبال والصحراء والبحر (شواطئ الشعر) وإلى المآثر والساحات والفضاءات العمومية، كل هذا ضمن برمجة سنوية تحتفي بالتعدد والتنوع الثقافي المغربي. إن قدرة هذا الجنس التعبيري، وضمن السياق الذي يقدم به، بمنظور برمجة تدبيرية مؤسساتية حديثة، تجعله في مقدمة "فنون القول" والقادر على صياغة قيمنا الجمعية وتوحيد أفقنا الجمالي الإنساني، وانفتاحنا على المشترك الإنساني.

مشاركة :