فاضل الربيعي يكشف السرديات التاريخية الزائفة

  • 4/8/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

نظم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، مساء أمس الأول، في مقره في الشارقة محاضرة عن السرديات الزائفة والهيمنة على التاريخ ضمن نشاط منتدى السرد، للباحث العراقي فاضل الربيعي، الذي اتبع في محاضرته التي قدمتها حنان أبو العينين منهجاً علمياً صارماً في تتبع أثر محكيات تاريخية تحولت إلى مسلمات بفعل الترديد المستمر، وعمل الباحث على كشف زيف تلك السرديات. عمل الربيعي على إعادة تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة التي كرستها السردية التوراتية في ما يتصل بتاريخ المنطقة وهويتها، وتعرض الربيعي لتلفيقات بعض المستشرقين وعلماء الآثار خاصة في ما يتعلق بتصنيف الشعوب إلى قوميات متمايزة، رغم عدم وجود أي أدلة علمية أو أركيولوجية تؤيد هذه النظريات، ويقصد الربيعي بالسرديات التاريخية القصص الكبرى التي هيمنت على التاريخ الرسمي، الذي يحتوي على كثير من الثغرات والفجوات، ويقول الربيعي إن هذه السرديات الزائفة قد نجحت في اختراق التاريخ وأصبحت هي التاريخ الرسمي، مشيراً إلى السرديات التوراتية السائدة، في العالم بأسره، ويرصد الربيعي ثلاثة فضاءات في طرائق كتابة التاريخ وتكريس الهيمنة، أولها: البطولة، وهي موجودة في حكايات الجماعات والقبيلة والشعوب، فلكل جماعة قصتها البطولية التي ترويها وتهيمن بها على التاريخ، وثانيها: القداسة، ويقصد بها الربيعي إضفاء قدسية على السردية التي تحملها الجماعة المعينة، وهنالك أيضاً تقنية احتكار الفاجعة أو احتكار التضحية، وفي جانب البطولة يرى الباحث أن هنالك قصصاً خاطئة تشكلت في وعينا بحيث إن أية محاولة للاشتباك مع هذه السرديات والتشكيك فيها يعتبر انتقاصاً لمكانة الجماعة، راصداً أمثلة لبطولات أدبية غير حقيقية كهوميروس وجلجامش. ولفت الربيعي إلى أن السرديات التوراتية السائدة والمهيمنة على التاريخ قد تأسست على احتكار الفاجعة، أي احتكار الحق في تصوير الضحية لنفسها على أن تضحيتها ومأساتها نادرة، ولا مثيل لها في التاريخ البشري المأساوي، موضحاً أن هذه فكرة مركزية تأسست بدورها على أساس أن الضحية اليهودية ضحية فريدة واستثنائية في عذاباتها التاريخية، ويستدعي الربيعي حادثتي السبي البابلي والمحرقة النازية اللتين يقول إنهما سرديات من نسج الخيال اليهودي، تلاشت مع الرواية الثانية المحرقة النازية مأساة 40 مليون أوروبي منهم 20 مليون روسي قتلوا في الحرب العالمية الثانية، لتحل محلها رسمياً مأساة حرق اليهود في ألمانيا، وكذلك في الرواية الأولى السبي البابلي تتلاشى مأساة عشرات القبائل العربية الوثنية التي تعرضت لاضطهاد الآشوريين، لتحل محلها سردية زائفة لا أساس لها في التاريخ مضمونها أن الآشوريين سبوا واضطهدوا اليهود لأنهم يهود. يفند الربيعي تلك الروايات عبر ما يسميه كسر احتكار الرواية التوراتية السائدة والمهيمنة على السرد التاريخي، ووضعها ضمن إطارها الصحيح، مؤكداً أن السبي البابلي لم يحدث في فلسطين قط، ولم تعرف أرضها ولا تاريخها مثل هذا الحدث الضخم، معتبراً أن كل ما كتب عن هذا الحدث في المؤلفات التاريخية والأجنبية والعربية بوصفه واقعة جرت فوق أرض فلسطين، وضمن تاريخها القديم، هو من تلفيق القراءة الاستشراقية للتوراة، ويقول الربيعي إن السبي البابلي حادث تاريخي مؤكد، تعرضت له القبائل العربية البائدة، ويكشف الربيعي عما وراء تلك الروايات عندما يقول إن مجرد الاستيلاء على الأرض لم يكن كافياً بذاته لخلق أمة يهودية، فهي ستكون عرضة للتمزق بفعل التباينات الثقافية بين الجماعات المستوطنة، ولذا كان لابد من خلق لغة مشتركة تعيد صياغة الوجدان الجماعي لبشر يتكلمون لغات شتى، وكذلك جرى اختراع سلالة واحدة اسمها بني إسرائيل لجماعات منحدرة من شعوب أوروبية وغربية عموماً، لا ترتبط إلا بروابط واهية، ويرى الربيعي أن الغرض من اختراع هذا التاريخ القديم هو تمكين هؤلاء من تخيل هويتهم الثقافية الوهمية فكان لابد من إنشاء سردية موحدة للوجدان الجماعي، وربط اليهود من كل القوميات بعرق ثقافي جديد ما فوق قومي اسمه بنو إسرائيل. ويمضي الربيعي ليفند كثير من المرويات التي شكلت تاريخاً رسمياً في العالم العربي، داعياً إلى تصحيح التاريخ، والكشف عما وراء هذه السرديات الزائفة، وهو الأمر الذي يعمل عليه الربيعي عبر تعرية التصورات التوراتية. ولئن كان الهدوء سيد الموقف طوال زمن المحاضرة، فهو الهدوء الذي تحول إلى عاصفة عند نهايته عندما انقسم الحضور إلى قسمين ما بين مؤيدين لما جاء في محاضرة الربيعي، ورافضين للكثير منها، ليتضح ذلك في المداخلات الصاخبة والأسئلة الصعبة التي واجه بها الحضور الربيعي، وهي الأسئلة التي أجاب عن بعضها. في ختام الندوة كرم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الربيعي.

مشاركة :