رحلة اليوسي الحجازية - د.محمد بن عبدالرحمن البشر

  • 3/22/2024
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

زخر عالمنا الإسلامي بعدد كثير من العلماء في معارف شتى، منها العلوم الدينية، والأدب، واللغة، والفلسفة، والعلوم البحته مثل الرياضيات، والبصريات، والكيمياء، والطب، والفلك، ومحاولة الطيران، والري، والزراعة، وغيرها، ومنهم من أضاف إضافة أصبحت مفتاحاً يُبنى عليها تطورٌ علميٌّ لا يمكن الاستغناء عنه حتى يومنا هذا، ومن ذلك إدخال الصفر في الحساب، والتفاضل والتكامل، وعلم الاجتماع، وفي ذات الوقت كان هناك من نقل العلوم الشرعية نقلة نوعية في تصنيفه، مثل تلك القواعد الفقهية التي أدخلها الإمام الشافعي، أو تلك المتعلقة بالشعر مثل بحور الخليل بن أحمد، أو الجاحظ في الأدب، لكن هناك من نقلوا عن غيرهم من الأقوام والثقافات الأخرى، وتميزوا وأضافوا، مثل ابن سيناء، وجابر بن حيان، وغيرهم كثير. ومن أولئك العلماء في العلم الشرعي والأدب الذين نقلوا وحاولوا الإضافة، عالم من علماء المغرب الشقيق الزاخر بعدد كبير من العلماء عبر التاريخ، وهو الحسن بن مسعود اليوسي، وهو بربري النسب، وقد أراحنا بذكر اسمه وسيرته في كتابه المحاضرات، فقد قلل عناء من أراد الدندنة حوله، واليوسي، نسبة إلى جدهم يوسف، لكن جرت عادة تلك الديار أن يلفظون يوسف يوسي، وقد ولد عام ألف وأربعين هجري، وتوفي رحمه الله عام ألف ومائة وسبعة. وعاش في فترة سياسية حرجة في تاريخ المغرب، وهي تلك التي انتقل فيها الحكم من السعديين إلى العلويين، وعاش في زمن إسماعيل العلوي، الرجل القوي المزواج غريب الأطوار الذي يذكر الدبلوماسي الفرنسي المعاصر له دومينيك بيسو أن لديه ألفاً ومائة وواحداً وسبعين من الأولاد والبنات من أربع زوجات وخمسمائة جارية، ولكن قد لا يكون ذلك صحيحاً. يقول اليوسي في كتابه عن نفسه إن والده كان أمياً، وأخواه الذين هم أسن منه ماتا أميين، ووالدته أيضاً أميه، لكن والده رغم أميته فإنه كان محباً للعلماء يحب صحبتهم والجلوس إليهم، وكان والده كما يقول مشهوراً بصدق الرؤيا وتفسيرها، ويذكر أن والده رأى في منامه أن عينيه تفيضان ماءً، عين له وعين لأبي عثمان علي بن عثمان، ابن عم لهم، لكن الماء الذي يخرج من عينه أكثر فيضاً، وقد فسر والده ذلك بأنه سيخرج عالمان له ولابن عمه، وقد تحققت الرؤيا فابن عمه هو أبو سعيد عثمان بن علي بن عثمان عالم معروف، أما الآخر فهو هذا العالم الذي نحن بصدد الكتابة عنه، وأن رؤيا والده قد تحققت حيث أصبح عالماً مشهوراً، ويذكر أيضاً أنه عندما ذهب نواحي سوس لطلب العلم، وكان والده لا يعرف أين هو ومتى يعود، رأى في منامه أنه قدم إلى ناحيتهم فرس أشهب أو أشقر، وقد أمسك والده بلجام الفرس والناس تحاول اللحاق به وتحيط به، و فسرها أن ولده سوف يقدم إليه، وأن الناس سوف يتهافتون عليه لغزارة علمه، ويحمد الله على ذلك، كما يذكر أن أستاذه العالم المشهور أبو عبدالله محمد بن ناصر الدرعي صاحب الزاوية الناصرية، وله مريدون كثر، ومنهم الحسن اليوسي الذي نكتب عنه في هذا المقال، إنه عندما عزم الحج للمرة الثانية، أرسل تلميذه اليوسي لإنجاز بعض الأشياء فأتمها، ولحق بأستاذه، وأعطاها إياه ويقول إنه بعد أن عاد الأستاذ وخلا به، ذكر له أنه كلما أخذ في الدعاء، وهو في حجته تلك يحضر في فكره تلميذه الحسن اليوسي، فيدعو له، بقوله : اللهم اجعله عيناً يستقي بها أهل المشرق والمغرب. ويقول إن اسمه الحسن بن المسعود بن محمد بن علي بن يوسف، ويرى أن تلك الأسماء إشارات خير له عندما كان صغيراً، وهو لم يخترها لكنها أتت هكذا، وهي أسماء فيها الحسن بأنواعه وأشكاله، وفيها السعد الذي صاحبه فيما بعد، وفيها الحمد منه لخالقه، والناس أيضاً تحمده لعلمه وفعله، وفيها العلو والسمو، وكل تلك بشائر خير، كما يعتقد، ويذكر: أن عبدالمطلب بن عبد مناف جد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، سماه جده بهذا الاسم، فسأله أهله من قريش عن هذا الاسم الذي لم يكن من أسماء آبائه وأجداده فقال لهم سميته راجياً أن يحمد في السماء والأرض، ويذكر أنه في طفولته كان يهرب من الذهاب إلى تلقي الدروس، وكان ينتظر الأطفال عند خروجهم، ثم ينظم إليهم، وكأنه قد ذهب إلى الدرس، وذلك في حياة والدته، وكان سبب عزوفه عن الدرس، كما يقول، حياءً يجعله يخجل من سؤال معلمه أو زملائه، إذا أراد قضاء حاجته، لكن ذلك تغير بعد وفاة والدته، التي يبدو أنه مرتبط بها كثيراً، فقد أصبح جسوراً، وقد تنكرت عليه الأرض التي يعرفها، ويقول شعراً: فما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت تعرف فانكب على الدرس، وهجر الخجل، ثم غربه أبوه، ولم يذكر شيئاً عن السبب، وقد يكون والده قد تزوج بأخرى، ولم يكن الوضع ملائماً، فآثر الغربة على البقاء، وهو لم يذكر شيئاً من ذلك ربما تورعاً، لكن الخيرة فيما اختار الله. لقد أصبح عالماً يشار له بالبنان، وتنقل في كثير من البلدان، وبرع في العلم الشرعي واللغة والأدب وقال الشعر، وألف أكثر من أربعين كتاباً، وقد طلب منه الحاكم القدوم إلى فأس، فقدم إليها، ودرس في جامع القرويين، وكثر تلاميذه.

مشاركة :