كاتب من رواد الحركة الأدبية الحديثة في الحجاز في فترة نهضته الفكرية والأدبية، يعد أحد المبدعين البارزين في مجال الأدب لاسيما الشعر العربي الفصيح، كان إبداعه يتجلى في المملكة وفي منطقة الحجاز تحديداً، إذ يعد الشاعر والإعلامي والكاتب طاهر بن عبدالرحمن الزمخشري أحد الذين أسسوا حراكاً إبداعياً في المملكة من الجيل الأول، سواء في المجال الأدبي أو الإعلامي، ويعتبر أيضاً من أوائل الأدباء والإعلاميين الذين كتبوا للطفل نثراً وشعراً بل إنه تفرغ أيضاً لكتابة الدراما والأعمال الفنية للأطفال وكان يقدم ويشرف على العديد منها منذ وقت مبكر إبان العهد الأول للإذاعة السعودية حتى عرفته الأجيال في تلك الفترة ب"بابا طاهر" اللقب الذي اشتهر به ولم يفارقه حتى فارق الحياة -رحمه الله-. ولد الشاعر والأديب والإعلامي طاهر زمخشري في مكة المكرمة عام 1906م وأنهي دراسته في مدارس الفلاح عام ه وعمل منذ ه في الوظائف الحكومية حتى استقر به الحال في دار الإذاعة، لُقب ب"بابا طاهر" وذلك نتيجةً لاهتمامه بأدب الأطفال، كما قدم برنامجاً إذاعياً يحمل ذات الاسم. كما أنشأ أول مجلة أطفال سعودية حملت اسم مجلة الروضة، وكان أول عدد لها في تاريخ سبتمبر م، لكنها لم تستمر طويلاً إذ توقفت بعد عدد بتاريخ مايو م، نال جائزة الدولة السعودية التقديرية في الأدب عام ه - م، ولم يكن نجاحه منحصراً في ثنايا المحلية فقط بل كانت إبداعاته ونجاحاته تطال العالم العربي فقد مُنح وساماً رفيعاً في حفل تكريمه في الجمهورية التونسية، فلم يكن رحمه الله تعالى مستقراً في حياته بل كانت حياة الغربة من نصيبه، إذ أقام طويلاً في مصر ثم انتقل إلى تونس حيث نال التكريم أيضاً هناك. نال وساميّ الاستقلال والثقافة وجائزة الأدب ووضع اسمه ضمن رواد الحركة الأدبية الحديثة في الحجاز مشواره الإعلامي كان طاهر زمخشري من المساهمين في تأسيس الإذاعة السعودية ومن أهم العاملين بها في عام ه فعمل مذيعاً ومعداً ومراقباً، وكان برنامجه" بابا طاهر" الموجه للأطفال من أكثر البرامج شهرةً آنذاك كما في برنامجه "روضة المساء"، كما قام بتأسيس أول فرقة موسيقية في المملكة ساهمت بتقديم الأناشيد الوطنية والموسيقى بالإذاعة، وحظي بتشجيع من الملك فهد-رحمه الله-، كما أصدر أول مجلة ملونة متخصصة في المملكة وهي مجلة الروضة والتي صدرت في عام م ، وترأس الزمخشري تحرير جريدة البلاد السعودية التي تعتبر أقدم الصحف اليومية المتواجدة حتى الآن وكانت مدة ترؤسه لها سنة واحدة. شعره : يقول في إحدى قصائده : أبكي وأضحك والحالات واحدة أطوي عليها فؤاداً شفه الألم فإن رأيت دموعي وهي ضاحكة فالدمع من زحمة الآلام يبتسم وقال في قصيدته إلى المروتين والتي نشرت في عام ه : أهيم بروحي على الرابية وعند المطاف وفي المروتين وأهفوا إلى ذكر غالية لدى البيت والخيف والأخشبين فيهدر دمعي بآماقيَه ويجري لظاه على الوجنتين ويصرخ شوقي بأعماقيَه فأرسل من مقتلي دمعتين أهيم وعبر المدى معبد يعلق في بابه النيرين فإن طاف في جوفه مسهد وألقى على سجفه نظرتين تراءى له شفق مجهد يواري سنا الفجر في بُردتين وليس له بالشجا مولد لمغترب غائر المقلتين أهيم وقلبي بدقاته يطير اشتياقاً إلى المسجدين وصدري يضج بآهاته فيسري صداه على الضفتين على النيل يقضي سويعاته يناغي الوجوم بسمع وعين قصيدة "الموعد المنتظر" حديث عينيكِ قد أفضى به الخفرُ لما تأود في أعطافك الخفرُ يا منية النفس قد طاف المراح بنا فراح ينشر من أفراحنا السمر فبادليني الهوى فالبحر موجته عنا تُحدِّث لا ما ينقل الخبر وفي الشواطئ للأصداء هيمنةٌ يضمها في شُفوف الفتنة السحر والليل أغفى فأرخى من غدائره سوداً تهادى على أطرافها العمر والصمت يسكب في سمع الدجى نغماً الحب صدَّاحه والخافق الوتر أن أحلامنا في الشط غافية وفي الحنايا لهيب الشوق يستعر والذكريات رؤاها كلما هتفت بنا استراحت إلى آمالنا الصور فيا طيوف المنى.. فاض الحنين بنا وزادنا شجناً أن النوى قدر ولا نزال على الأثباج من لهب يسري بنا شوقنا والوعد ينتظر قالوا عنه عاصر الأديب والشاعر طاهر زمخشري كوكبة من أقرانه الشعراء والأدباء لاسيما في مكة المكرمة والحجاز لكنه مع ذلك لم يغب أبداً عن أقلام الصحفيين والأدباء الذين هم من جيل طلابه وتلاميذه، كما كان للكتاب والنقاد جهود وأعمال متنوعة ومتباينة في دراستها لأدب الشاعر طاهر زمخشري إذ يقول عنه الدكتور عبدالله باقازي "أبرز الشعراء عفوية الأستاذ الشاعر طاهر زمخشري.. ما زالت جملته الشهيرة: «أنا كومة الفحم السوداء.. تلبس الثياب البيضاء، وتقول: «أشعاراً: حمراء وصفراء وخضراء».. ما زالت هذه الجملة ترن في الآذان تذكّر بفنان عفوي بسيط منفتح على بهجة الدنيا، يشرع نوافذ الأمل نحو ساحات الحياة الواسعة.. ويجعل من الحياة بسمة عريضة من التفاؤل! عندما كتبت كتابي: «مظاهر في شعر طاهر زمخشري» عام 1408ه الموافق 1988م، كان طاهر زمخشري قد مات.. وقبل أن اكتب الكتاب وأشرع في تأليفه.. هزني شعر الزمخشري.. في كل الفنون التي قال فيها: كان مبدعاً من نوع خاص.. كان شعره الرثائي في أبيه وأمه وزوجته من أجمل شعر المراثي من الشعر السعودي الحديث بل العربي بعامة. وأضاف: ما لفت نظري في شخصية الزمخشري - فضلاً عما سبق - جانب «الطفولة» فكل ما في هذا الشاعر يوحي بالطفولة الكامنة والتي تعبر عن نفسها في كثير من الحالات، ومن جوانب هذه الطفولة الإنسانية تقديم الأستاذ طاهر زمخشري لأول برنامج إذاعي سعودي عن الأطفال عام 1369ه إبان بداية الإذاعة السعودية بجبل هندي بمكة المكرمة، ومن جوانبها إصداره لأول مجلة للطفل السعودي عام 1379ه بعنوان: «الروضة».. ولعل لفظة الروضة بعفويتها الدالة على الطبيعة البكر النقية هي التي أغرت الزمخشري بهذا العنوان وبعنوان البرنامج المسائي الذي قدمه طويلاً في الإذاعة بعنوان: "روضة المساء"، كان الدكتور باقازي أحد أولئك الذين نهلوا من فيض "بابا طاهر" لاسيما أعماله الأدبية وبرامجه العلمية وكم كان هذا الأستاذ الأكاديمي وفياً مع معلمه وملهمه الشاعر والأديب طاهر زمخشري حيث عكف على دراسة فنونه وإبداعاته وبوفائه لأستاذه قدم دراساته التحليلية لبعض أشعاره وأعماله الأدبية، وقد علق على قصيدته المروتين قائلاً اعتمدت قصيدة: «إلى المروتين» أنموذجاً شعرياً تحققت من خلاله كل المظاهر الشعرية في شعره.. كانت قصيدة «إلى المروتين» - في رأيي - هي قصيدة الاغتراب ومحاولة الوصول إلى «التوازن النفسي» في رحلة الاغتراب المرضية.. كانت الدلالات الثنائية التي تفوقت على الدلالات المفردة تومئ إلى محاولة «التوازن» التي كان الزمخشري يقوم بها.. ونشرت القصيدة في عام 1377ه . وأضاف في رأيه عن جانب الطفولة : ومن جوانب الطفولة - أيضاً - تخصص ابنه «فؤاد» في «طب الأطفال» ومن مظاهرها صوته الطفولي عندما يتكلم هذا الصوت الذي جعل أحد زملائه في فترة نهاية السبعينيات الهجرية في حدود 1378- 1379ه يقترح أن يقدم الزمخشري برنامج: «المرأة» - في الإذاعة - حيث لا نساء يقدمن - وكان صوت الأستاذ الزمخشري في عفوية وتلقائية ينطلق باستهلاله المعهود: «سيدتي.. ربة البيت»! .. إنها الطفولة الكامنة في أعماق شاعر كبير.. ورمز من رموز الشعر السعودي المعاصر.. أسهم إعلامياً.. إذاعة.. وصحافة وفنياً.. شاعراً مزدوج العطاء.. بين الفصحى والعامية.. وراعياً للفن والفنانين.. وأبرزهم محمد عبده!). وكم حرص طلاب وتلاميذ "بابا طاهر" على إظهار جماليات نصوصه ومدلولاته النثرية والشعرية شكلاً ومضموناً فهذه الأستاذة سلمى باحشوان تعكف على دراسة (المكان في شعر طاهر زمخشري) :حيث انطلقت في دراستها من خلال ربط المكان بالنصوص الشعرية التي تناولت الأماكن بشتى أنواعها وهي التي توضح أنه ما كان اللجوء إلى البحث في المكان عند طاهر زمخشري – رحمه الله – إلا لندرة الدراسات التي تناولت المكان عنده _رحمه الله_ وتقول: إنه على رغم كثرة الأماكن التي ذكرها في شعره وفي مسميات قصائده ودواوينه، فقد حظيت الأماكن عنده بعناية فائقة، فإدراك جمال المكان مرتهن بالتقرب من الذات المبدعة الشاعرة، ومرتهن بإدراك الوسائل التي اعتمدها الشاعر في جعل المكان يسكن في عبير الكلمة وبقدرة المتلقي على تذوق العمل الفني، والتفاعل معه، والتأثير به"، وتضيف في تحليل بارع لخاصية المكان عند الزمخشري قائلةً "تميزت قصائد المكان عند طاهر عن بقية القصائد باستقلاليتها ووضوحها وقد عكس فن الشاعر وعبقريته في محاورة الأماكن مع اختلافها ومرونتها، كما حظيت الأماكن المقدسة عند طاهر بعناية روحانية خاصة ، فنالت الأماكن المقدسة عنده نصيباً وافراً، فكان لكل مكان من تلك الأماكن خصوصية تخرجه عن نظرائه من بقية الأماكن، وهذه الخاصية في تبدل المعاني المكانية لا تتوفر في هذه الأماكن المقدسة" ثم تتوصل في تحليلها الأدبي ودراستها المستفيضة إلى "إن ارتباط أغلب الأحداث في حياة طاهر بالأماكن التي عاش بها ومر بها يظهر التميز والقوة في نصوصه". ولئن كان هذا غيضا من فيض ما كتب عن الراحل طاهر زمخشري بأقلام تلاميذه ومحبيه وبعض العاكفين على دراسة وتذوق فنونه الأدبية ونصوصه الشعرية فإن ل "بابا طاهر" رأيا أدبيا إنسانيا عن نفسه قدمه بكل بساطة لمعاني الظهور والغرور حيث قال في حفل تكريمه أثناء حصوله على جائزة الدولة التقديرية سنة 1405ه : " أنا طاهر زمخشري المعروف كما قيل عني كومة من الفحم سوداء تلبس ثياباً بيضاء نقول شعراً قصائده حمراء وخضراء وصفراء فمن قصائدي البيضاء أن أغني للحب وأن أغني للوفاء كما عشت في مشواري الطويل .." أعمال وجوائز حصل الأديب والشاعر طاهر بن عبدالرحمن زمخشري -رحمه الله -على العديد من الجوائز والأوسمة التي عكست في كثير من مدلولاتها على شاعرية وجماهيرية "بابا طاهر" الشاعر والأديب لاسيما في الأوساط الثقافية والأدبية في عالمنا العربي لعل منها على سبيل المثال لا الحصر "وسام الاستقلال" من الدرجة الثالثة من الجمهورية التونسية عام 1966م، ووسام "الثقافة التونسية" عام 1349ه، كما حصل على الجائزة التقديرية للأدب عام 1404ه من لُب وطنه في المملكة، هذا عن بعض الأوسمة الرسمية أما التكريم الذي وجده طاهر زمخشري قبل وفاته وبعد رحيله فكان يتجلى في محبة أبناء جيل السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات الهجرية حيث لا يزال أبناء ذلك الجيل يتذكرون ويترحمون على "بابا طاهر" الذي قدم لهم مائدة غنية من "أدب الطفل" قصةً وشعراً وأنشودةً ونثراً في حين كانت الحركة الأدبية في عالمنا العربي غارقة في قضاياها وسجالاتها القومية والسياسية، ولم تكن أعمال طاهر زمخشري -رحمه الله-انعكاساً لمجتمعه وظروف حياته فقط بل تجاوزت أطر الزمان والمكان فكانت أعمالا إنسانية تلتمس من روح الحياة معاني سامية ورسائل لخصها الزمخشري في أعماله العديدة والمتنوعة لعل من أهمها ديوانه الأول "أحلام الربيع" عام 1946 م إذ قيل إنه أول ديوان سعودي مطبوع على حسب ما ذكره سعد الخشرمي في صحيفة الحياة، ثم "همسات" في عام 1372 ه، و"أنفاس الربيع" في عام 1955 م، و"أصداء الرابية" في عام 1957 م، و"أغاريد الصحراء" المطبوع سنة 1958 م، و"على الضفاف" عام 1961 م، وفي ذات السنة قدم "ألحان مغترب" وبعدها بعامين قدم "عودة الغريب" ثم "في الطريق" وقد صدر عام 1382 ه، وأعمال أدبية وإعلامية أخرى لعل من أهمها: معازيف الأشجان 1976 م. لبيك 1388 ه. حبيبي على القمر 1389 ه. نافذة على القمر 1390 ه. العين بحر - بحث حول ما نظمه الشعراء في العين 1970 م. رباعيات صبا نجد 1393 ه. الشراع الرفاف 1974 م. حقيبة الذكريات 1397 ه. على هامش الحياة - قصص. مع الأصيل - تأملات ودراسات نفسية. إليها - شعر. أغاريد المذياع - شعر. ليالي ابن الرومي - دراسة. أقوال مبعثرة - شعر. أحلام. ورمضان كريم. عبير الذكريات (إصدار خاص من تهامة للتوزيع). من الخيام 1389 ه. بكاء الزهر. أوراق الزهر. وبعد رحلة طويلة مع القصيدة والمايكرفون والكلمة توفي الأديب الشاعر طاهر بن عبدالرحمن زمخشري مخلفاً وراءه ذخيرة حية من الإبداعات الكتابية وكان ذلك في الثاني من شهر شوال عام 1407ه الموافق (20/ يوليو/ 1987) عن عمر يناهز (81 عاما).. رحمه الله رحمة واسعة.
مشاركة :