الإسلام... والآخر (2-2) - د.مدحت العزب

  • 3/25/2024
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

- العدل مع غير المسلمين.. أقرَّ القرآن الكريم مبدأ العدل والإنصاف، والبعد عن الظلم والإجحاف مع غير المسلمين بالقاعدة القرآنية العظيمة: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} (المائدة: 8). ويؤكد الرسول مبدأ العدل المطلق حتى مع غير المسلمين بقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة». أخرجه أبو داود «3052» وصححه الألباني في صحيح الجامع «2655». ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ أيضاً في معاهداته مع نصارى نجران بقوله: «ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر». وأرسل صلى الله عليه وسلم صحابياً جليلاً يباشر تنفيذ هذه المعاهدة والشروط الضامنة للعدل للنصارى هو أمين الأمة وأحد المبشرين بالجنة «أبو عبيدة بن الجراح» - رضي الله عنه. وقصة العدل في «قصة طعمة بن أبيرق» المسلم الذي سرق درعاً من جار له مسلم، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، وخبأها طعمة عند رجل يهودي يُقال له «زبد بن السمين» فلما طلبت الدرع وتتبع أصحاب الدرع أثر الدقيق، اتهموا اليهودي بسرقته، ودفع اليهودي بأن طعمة قد دفعها إليه، وهمَّ الرسول بمعاقبة اليهودي على أنه السارق، فأنزل الله تعالى هذه الآيات من سورة النساء معلنة الموقف الحق، منصفة ومبرئة اليهودي، فأي دين منصف عادل حق: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} إلى قوله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (النساء: 105 - 112). وينظر في أسباب نزول هذه الآيات في تفسير الطبري ج4ص265، وابن كثير ج1ص731، والقرطبي ج3ص327، وغيرهم من كتب التفسير. الإسلام والعلاقات الدولية أقر الإسلام العلاقات مع الشعوب والدول غير الإسلامية على أساس عدة قواعد وأخلاقيات وتشريعات مفصلة في التشريع الإسلامي، وفى التطبيق العملي في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وما جاء في آيات القرآن الكريم التي يمكن إيجازها فيما يلي: - الكرامة الإنسانية للبشر جميعاً، وكما سبق تكريم الإنسان على الإطلاق دون تمييز على أساس الدين أو اللون أو العرق، واعتبار الناس جميعاً أمة واحدة، خلقوا من نفس واحدة، والاختلاف سنة من سنن الله في الكون، والاختلاف حتى في العقيدة أو الدين لا يدعو إلى العداء والتشاحن. - التعاون الإنساني: فقد عقد الرسول صلى الله عليه وسلم حلفاً أساسه التعاون على البر بالمواثيق والعهود مع يهود المدينة، وكان أساس هذا التعاون أن يتضافر اليهود على دفع الاعتداء عن المدينة، لكنهم خانوا ونقضوا العهد، وهذا ما يُسمى الآن «التعايش السلمي». التسامح والصفح الجميل دعا الإسلام إلى التسامح والصفح الجميل المبنى على القوة وليس الذلة، وقد جاءت آيات القرآن الكريم تدعو إلى الصفح الجميل والتسامح: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34)، وقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199). وكانت علاقات الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة قائمة على التسامح والعفو والصفح الجميل مع غير المسلمين والأعداء، في صلح الحديبية وفتح مكة، وغيرها من المواقف في السيرة النبوية. - الحرية، والعدل والفضيلة مع غير المسلمين، وقد سبق الحديث عن هذه الأسس. - المعاملة بالمثل، وهو مبدأ إسلامي مهم في العلاقات مع غير المسلمين، فالتسامح والصفح والعدالة، لا تعنى غمط حق الدولة الإسلامية في رد اعتداء المعتدين، ورد الاعتداء بالقدر الكافي المناسب للاعتداء، وهذا حماية للدولة الإسلامية. - الوفاء بالعهود: من أهم ركائز العلاقات مع غير المسلمين هو الوفاء بالعهود في معاهدات السلام والأمان وعدم الاعتداء، والوفاء بالعهود في الإسلام قوة وفضيلة ومبدأ مهم، طالما التزم به الآخر، لأن الإسلام في جوهره دين سلام يدعو إلى السلام، ولكنه يرفض الاستسلام والخيانة. - الأصل في الإسلام هو السلم، ووضع الإسلام شروطاً وأحوالاً محددة للحرب، منها رد الاعتداء، ومناصرة المسلمين في دار ظلم غير مسلمة، أو الجهاد لنشر الدين في بداية الدعوة الإسلامية، ويمكن إبراز ما جاء به الإسلام من تأكيد مبدأ السلم في العلاقات بين الشعوب، أنه قبل الإسلام كانت الشعوب والأمم والقبائل تعيش بمبدأ قانون الغاب، حيث الأساس هو الاعتداء والإغارة والحروب فيما بينها. قسمت الديار في الإسلام إلى دار الإسلام، ودار الحرب، ودار العهد. * دار الإسلام: هي الدولة التي تحكم بسلطان المسلمين، والقوة والمنعة فيها للمسلمين، ويجب على المسلمين الدفاع والذود عن هذه الدار وحمايتها. * دار الحرب: هي الدار التي لا يكون فيها السلطان والمنعة للحاكم المسلم، ولا عهد بينها وبين المسلمين، ومن هنا يجب على المسلمين الحذر من هذه الدار، والاستعداد لرد الاعتداء منها على دار الإسلام. * دار العهد: وهي البلاد التي ليست تحت حكم الإسلام، ولكن لها عهد محترم مع الدولة الإسلامية، وتلتزم به، ولا يخشى منها الاعتداء على ديار الإسلام. - و يمكن إيجاز حالات الحرب في الإسلام دين السلام والتعايش إلى الحالات الآتية: - الجهاد ونشر الدين، وهذا تحقق في بداية الدعوة الإسلامية. - رد الاعتداء عن ديار الإسلام. - مناصرة دولة إسلامية أو أقليات مسلمة تتعرض للظلم والقهر من دول أخرى. - نقض العهد بين دولة إسلامية ودولة أخرى وإثبات خيانتها وضررها لدولة الإسلام. ** ** - كاتب وطبيب مصري

مشاركة :