المرأة هي نصف المجتمع والجنس البشري، فهي الأم التي حملت ووضعت وأرضعت وربّت، وهي الأخت العطوف الحنون، وهي الابنة زينة الدنيا، وهي الزوجة التي تشارك الرجل الحياة. والمرأة لغوياً هي مؤنث مرء، ومرأة في اللغة لها عدة صيغ، فيقال: إمرأة، ومرأة، ومرة، مع دخول «ال» التعريف على المرأة والمرة، ولا تدخل على إمرأة إلا نادراً، والتأنيث والتذكير متعادلان في اللغات السامية، واللغة العربية وهي أكمل وأحدث اللغات السامية، تؤنث الكثير من مظاهر الطبيعة، كالشمس والسماء والأرض. وتميز المجتمع الجاهلي قبل الإسلام أنه مجتمع بداوة، محكوم بالنظام القبلي والانتماء للقبيلة، حيث لم يكن دور أو وجود للدولة بمفهومها الحديث. ويمكن القول إن المرأة العربية نالت قدراً من القيمة والاهتمام في الجاهلية بوجه عام، فقد خلّد التاريخ نساءً قبل الإسلام مثل هاجر أم إسماعيل عليه السلام، وملكة سبأ، وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد بزواجها من سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وكذلك شاعرات الجاهلية وأشهرهن الخنساء التي عاصرت الإسلام. والعربى يتميز بالنخوة والشرف وحساسيته لما يمس العرض أو الشرف، وما سجله القرآن الكريم من كراهية العربى لإنجاب البنات، كان خشية لأن تقع في السبي، في مجتمع كان قائماً على الغارات بين القبائل بعضها البعض، وكذلك وأد الصغيرة كان خشية الفقر، والعار، إلا أن هذه الحوادث كانت تخص فئة أو طبقة أو شريحة معينة في الجاهلية، ولم تكن هي السمة الغالبة لوضع المرأة العربية في الجاهلية. - كانت المرأة العربية سافرة مع غطاء الشعر التقليدي الذي يستعمله الرجال أيضاً، وكانت النساء محتشمة مثل نساء الحضارات الشرقية عامة، تختلط مع الرجال وتسافر لوحدها بشرط أمان الطريق، وكانت تركب الخيل رغم قلة الفارسات للفوارق البدنية بين الجنسين، وكانت تقوم بأداء حقوق الضيافة للرجل الغريب في منزل أهلها. - وكان للمرأة حضورها في الحياة الثقافية العربية القديمة، فكان منهن الشاعرات الشهيرات، والحكيمات، والكاهنات، وقد كانت الخنساء خاتمة شواعر الجاهلية العظام، ودخلت الإسلام، ويوم فتح مكة ألقت امرأة شاعرة من قريش قصيدة تناشد فيها النبي بحماية قريش من سعد بن عبادة. - وكانت المرأة في الجاهلية تملك حق الطلاق كما يملكه الرجل، وعرفت الحب الذي كان يغلب عليه العذرية وعدم المساس بجسدها، إنما يقتصر اللقاء على الحديث والغزل. وحرمت المرأة الجاهلية من نصيبها في الميراث، الذي كان الأب يوزعه بمشيئته على الأبناء الذكور، أما إذا مات الأب عن بنات دون ذكور، ذهب الميراث إلى من يبادر بالاستيلاء عليه من الإخوة أو الأعمام. - وعرفت الجاهلية أنواعاً من النكاح المنبوذ، الذي أضر بكرامة وشرف المرأة، فكان هناك «النكاح الضرائري» ويعني تعدد الزوجات دون حد أعلى، كما عرف «نكاح الرهط» ونكاح الاستبضاع، وهو زواج المرأة بأكثر من رجل، والرهط من الرجال ما بين ثلاثة إلى تسعة، والمراهطة انتقلت إلى شبه الجزيرة العربية من الحضارة السومرية، وقد كان الملك السومرى «أوركاجنيا» المتوفى عام 2371 قبل الميلاد منع هذا الزواج. ومن الزيجات المحرمة التي عرفتها المرأة الجاهلية «نكاح المقت» وهو استيلاء الابن على زوجة أبيه بعد وفاة الأب، وعرف العرب «زواج الأكفاء» حيث يرفض العربي تزويج المرأة من أعجمي، ولم تعرف الأسرة العربية سفاح القربى، فالزواج محرم من الأم والأخت والابنة، عكس ما كان يمارسه الفرس، وكان زواج الصغيرة مألوفاً في الجاهلية، ويسمى «الاهتجان» أي زواج البنت قبل البلوغ، كما كان مألوفاً زواج البنت الصغيرة البالغة من مسن عجوز. المرأة في الإسلام... أقر الإسلام في قرآنه الكريم مبدأ كرامة ومساواة المرأة كإحدى مكوني الجنس البشري، بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء...} (النساء:1). فالآية واضحة صريحة في أن المرأة والرجل مخلوقان من النفس والجنس البشري الواحد، فليست مخلوقاً أوضع أو أقل شأناً، لها كل الحقوق، وعليها كل الواجبات مثل الرجل، وليس ثمة تمييز أو تفريق بينهما إلا في الفروق البيولوجية والتي في ظروف معينة، وفي صالح المرأة حفاظاً على حقوقها وكرامتها. وكانت المرأة حاضرة وبقوة وتأثير كبير في بداية دعوة الإسلام وبعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فها هي السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوج النبى قبل البعثة، تناصره وتؤيده وتثبته وتؤمن بدعوته، لتكون أولى المؤمنات. وقد صان الإسلام المرأة وحفظ مكانتها، في الوقت الذي كانت فيه المرأة في أوروبا وقت ظهور الإسلام سلعة تباع وتشترى، فقد أكد الفيلسوف الإنجليزى «هيربرت سبنسر» في كتابه «علم الاجتماع» أن الرجال كانوا يبيعون الزوجات في إنجلترا ما بين القرن الخامس، والقرن الحادي عشر الميلادي، ووضعت محاكم الكنيسة قانوناً يعطي الزوج الحق في أن يعطي زوجته لرجل آخر لمدة محددة، بأجر أو بدون، بل إنه في عام 1923م باع رجل إنجليزي زوجته بمبلغ خمسمائة جنيه إسترليني، إلا أن القضاء ألغى هذا البيع المهين!. أما الإسلام فقد حفظ كرامة المرأة ومكانتها ووصى بها بكل الخير، أماً وبنتاً وزوجة وأختاً. وحرم الإسلام العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الشرعي، صيانة لشرف المرأة وحقوقها، بل حرم الإسلام تلويث سمعة المرأة وعرضها بالقذف أو الغيبة أو البهتان والنميمة. وأعطى الإسلام المرأة حقها في الميراث الذي حرمت منه في الجاهلية، وحددت الشريعة أنصبة الميراث حسب حالة الموروث تجاه الأم والبنت والزوجة والأخت، وتوعد الله تعالى آكلي مال اليتيم بالعذاب الشديد {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (النساء:10). وأقر الإسلام مبدأ المساواة والعدل بين الرجل والمرأة بقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} (البقرة: 228). فالآية واضحة في المساواة والعدل بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات كنفس بشرية، والدرجة التي للرجال عليهن، هي القوامة والمسؤولية تجاه المرأة، وهي درجة في صالح المرأة حفظاً لكرامتها، وصيانة لها ولحقوقها، كما تجعل الآية المعروف هو قوام العلاقة بين الرجل والمرأة، والمعروف هو كل خير يرضاه الله تعالى. - وأعطى الإسلام المرأة حق التعليم والعلم والتعلم، لأنها مربية الأجيال وراعية الأسرة، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها من أشهر رواة الحديث الشريف، ولها مجالس علم للإجابة عن شؤون الدين وخاصة ما يخص المرأة. - وحرم الإسلام أنواعاً من النكاح المنبوذ، صيانة لشرف وحقوق المرأة، فقد حرم نكاح الرهط والاستبضاع، وكذلك حرم «النكاح الضرائري الذي كان الرجل فيه يعدد ما يشاء من الزوجات، وقيد الإسلام تعدد الزوجات بأربعة وبشرط العدل مع الزوجات والقدرة، كما حرم الإسلام «نكاح المقت» وهو نكاح الابن لزوجة أبيه المتوفى، وحرم الإسلام كذلك «العضل» وهو أن يمنع ولي الأمر المرأة من الزواج طمعاً فيها أو في مالها، وحفظ للمرأة حقها في المهر في الزواج والزواج بكفء لها وموافقتها، وجعل الإسلام الأصل في العلاقة الزوجية المودة والرحمة والتعاون، في علاقة شبهها الله تعالى بالسكن، حيث الأمن والملاذ والمحبة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21). وأتاح الإسلام للمراة الحق في الطلاق أو الخلع في حال إستحالة استمرار الحياة الزوجية، لأسباب معتبرة شرعاً، مثل سوء دين أو خلق الزوج، أو في حال الهجر أو عدم الإنفاق، وحفاظاً على تماسك الأسرة وهي نواة المجتمع الأولى، حذر التشريع الإسلامي الطلاق أو الخلع لأسباب واهية تافهة غير معتبرة شرعاً، وقد أدركت الكنيسة الكاثوليكية استحالة تطبيق الزواج الأبدي وأنه ظلم للطرفين في حال استحالة الحياة، فأباحت الطلاق. وعرف الإسلام في تاريخه وحضارته الكثير من شهيرات النساء الفضليات، اللائي سطرن أسماءهن بحروف من نور الإيمان في سجلات الإسلام، وتاريخه وحضارته مثل ...أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، والزهراء فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأم سلمة رضي الله عنها، ورفيدة صاحبة أول خيمة علاجية لعلاج الجرحى في الإسلام.
مشاركة :