ومن المقرر أن يُناقش البرلمان الفرنسي الأربعاء مساء أو الخميس مشروع قرار يدعمه حزب الرئيس ايمانويل ماكرون، يطالب الحكومة بتخصيص يوم لإحياء ذكرى هذه المجزرة. في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961، قبل ستة أشهر على تكريس اتفاقات إيفيان استقلال الجزائر عن فرنسا، توافد "مسلمو فرنسا الجزائريين" كما كان يُطلق عليهم آنذاك، من أحياء فقيرة في الضواحي وأحياء شعبية في باريس حيث كانوا يعيشون. وبدعوة من فرع "جبهة التحرير الوطني" في فرنسا وهي حزب سياسي جزائري، تحدوا الحظر الذي فرضه مدير الشرطة موريس بابون، الذي أُدين لاحقا في العام 1998 بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية لدوره في ترحيل اليهود بين العامين 1942 و1944. وواجه هؤلاء المتظاهرون القمع الأكثر حصداً للأرواح في أوروبا الغربية منذ العام 1945، وفقًا للمؤرخ إيمانويل بلانشار. واقتادت الشرطة في ذلك اليوم نحو 12 ألف متظاهر. وانتُشلت جثث مصابة برصاصات عدة أو تحمل آثار ضرب من نهر السين في الأيام التالية. في العام 1988، قدر مستشار في مكتب رئيس الوزراء خلال حرب الجزائر أن "اعتداءات" الشرطة تسبّبت بمقتل نحو مئة شخص، في حين أحصى تقرير للحكومة في العام 1998 مقتل 48 شخصًا. وفي أرشيف رُفعت عنه السرية، ونشره موقع "ميديابارت" الفرنسي في العام 2022، تفيد مذكرة من مسؤول رفيع المستوى كان يعمل مستشاراً لدى شارل ديغول، مؤرخة في 28 تشرين الأول/أكتوبر 1961، رئيس الدولة بوقوع "54 قتيلاً". ومن الصعب تحديد العدد بدقة إذ تراوح الحصيلة التي قدمها مؤرخون على مر السنوات بين نحو ثلاثين قتيلا وأكثر من 200 قتيل. واتفق هؤلاء على أن العدد "لا يقل عن عشرات القتلى" سقطوا على أيدي عناصر الشرطة في 17 تشرين الأول/أكتوبر، وفقًا لبلانشار. - حملة اعتقالات مخطط لها - في العام 1961، كانت الحرب الجزائرية مستمرة منذ سبع سنوات، وفُرض حظر تجول في باريس منذ 5 تشرين الأول/أكتوبر على "مسلمي فرنسا الجزائريين" الذين كانوا يعانون منذ أشهر من مداهمات الشرطة ورقابتها ومن عنف جسدي قاتل تمارسه فرق غير نظامية موالية للجزائر الفرنسية. في 17 تشرين الأول/أكتوبر، أراد المتظاهرون الاحتجاج على نطاق واسع ضد حظر التجول هذا وإظهار تضامنهم بأعداد كبيرة مع الجزائريين الذين يقاتلون في بلادهم من أجل الاستقلال. وقُتل عناصر من الشرطة، "خمسة على الأقل" بين أيلول/سبتمبر ومطلع تشرين الأول/أكتوبر، بحسب بلانشار، في هجمات متفرقة نُسبت إلى "جبهة التحرير الوطني" في منطقة باريس. ورأى رئيس الوزراء ميشال ديبري آنذاك، أن حظر التجول يمنع "جبهة التحرير الوطني" مساء من جمع الأموال المخصصة لقتالها. ومنذ صباح يوم 17، سيطرت إدارة الشرطة على مركز معارض واسع شمال باريس، ما دل على أنها كانت "تستعد لحملة اعتقالات واسعة"، وفقًا لبلانشار. وفي غضون ساعات قليلة، اقتيد آلاف الجزائريين بعنف وتم تكديسهم في سيارات للشرطة أو حافلات وجُمّعوا في أماكن عدة في باريس أو في ضواح قريبة للتحقّق من هوياتهم. وروى جاك سيمونيه الذي كان طالباً آنذاك، أمام المحكمة في العام 1999 ما رآه: "أُخرج الجزائريون من الحافلات بتوجيه اللكمات لهم، وكانوا يقعون أرضاً، وهناك مروا بين صف من عناصر الشرطة الذين استقبلوهم بالركلات، واللكمات والعصي والأحذية". ولم ينقل غالبية المصابين إلى المستشفيات. وبمجرد التحقق من هوياتهم، تم طرد بعضهم إلى الجزائر، واحتجاز آخرين في معسكرات، وأُرسل آخرون إلى منازلهم. "قمع استعماري" ويتذكر بلانشار أنه منذ بدء وصول أول المتظاهرين إلى جسر نويي غرب باريس، أطلقت قوات الأمن الرصاص القاتل على حشد هادئ، يضم عائلات. وازداد عنف عناصر الشرطة مع سماعهم رسائل إذاعية كاذبة نشرتها الشرطة تعلن زوراً مقتل عناصر من الشرطة بالرصاص. كذلك، حصلت عمليات إطلاق نار في أماكن عدة في العاصمة. ويقول متحف تاريخ الهجرة على موقعه على الانترنت "مات الكثير من الضحايا تحت ضربات أدوات (هراوات) حملها العناصر، وألقي عشرات آخرون في نهر السين، ولقي الكثير حتفهم اختناقًا بعد إلقائهم على الأرض وتغطيتهم بأكوام من الجثث". ويوضح الموقع أن عنف القمع "يحاكي أساليب القمع الاستعماري السائدة في الإمبراطورية". ولم يُعترف بذلك قبل العام 2012، عندما أحيا رئيس فرنسي للمرة الأولى وهو الاشتراكي فرانسوا هولاند، "ذكرى ضحايا القمع الدامي" الذي تعرّض له هؤلاء بينما كانوا يتظاهرون من أجل "الحق في الاستقلال". وفي العام 2021، تحدث إيمانويل ماكرون عن "جرائم لا تُغتفر" ارتكبت "تحت سلطة موريس بابون".
مشاركة :