عندما سمعت رينا سيرفانتس تريجو صوت صهريج المياه وهو يجاهد من أجل صعود الطريق باتجاه منزلها، اندفعت إلى خارج منزلها، قائلة «الحمد لله.. أخيراً وصل الماء»، وسارعت سيرفانتس وزوجها لمساعدة السائق، فريدي روماريو، بينما كان يخرج الخرطوم من السيارة كي يملأ خزاناً من الماء، إضافة إلى مجموعة من الدلاء البلاستيكية، والعديد من أوعية المطبخ التي جمعها الزوجان أمام باحة منزلهما. وجفت صنابير الماء منذ بضعة أسابيع في مدينة مكسيكو سيتي العاصمة المكسيكية، ولهذا تقوم ابنة سيرفانتس بالاتصال ببلدية المدينة بصورة يومية، وتطلب منهم أن تأتي إحدى شاحنات المياه إلى حيهم الذي تقطنه الطبقة العاملة في جنوب مدينة مكسيكو. وتحتاج سيرفانتس إلى المياه من أجل حمام والدها الذي يبلغ عمره 100 عام، وغسل ملابسه. وقالت سيرفانتس التي تبلغ من العمر 68 عاماً «لا أحب رؤية والدي في هيئة قذرة، وغير مريحة. وهو لا يستحق ذلك، خصوصاً في هذه السن، فهي ليست طريقة للعيش». وأصبح نقص المياه طريقة للعيش في العديد من المدن عبر مختلف بقاع العالم، مثل لوس أنجلوس، وكيب تاون، في جنوب إفريقيا، وجاكرتا في إندونيسيا، والكثير من المدن الأخرى أيضاً، بالنظر إلى أزمة تغير المناخ التي تزداد سوءاً، حيث تعمد السلطات إلى جلب المياه عبر الأنابيب من مصادر بعيدة للغاية. وقالت البروفيسورة فكتوريا بيرد، المتخصصة في تخطيط المدن والأقاليم في جامعة كورنويل «يبدو أن مصادر المياه تضمحل عبر العالم، وستواجه العديد من المدن كل عام (اليوم صفر)، حيث لا توجد أية نقطة مياه في شبكتها المخصصة لتوزيع المياه». فصل ماطر ربما كانت مدينة مكسيكو سيتي استثناءً، فهذه المدينة التي أسسها شعب الأستكا على جزيرة وسط مجموعة من البحيرات، تتمتع بفصل ماطر يمكن أن يجلب لها السيول والفيضانات. ولطالما كان التركيز في السابق في هذه المدينة على كيفية التخلص من الماء وليس جمعه. ولكن تضافرت مجموعة من العوامل السيئة، بما فيها النمو السريع للمدينة، وإهمال المسؤولين، والبنية التحتية الخاطئة، وارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار، لدفع هذه المدينة الكبيرة إلى نقطة تحول، بعد سنوات من التحذيرات التي لم يلق معظمها أي انتباه. وجفت خزانات المياه البعيدة، وكذلك الآبار في جوف الأرض، الأمر الذي جعل المسؤولين يواجهون، متأخرين، أزمة وجودية. وقالت مهندسة المياه، كلوديا روخاس سيرنا، من جامعة اوتونوموس ميتروبوليتان في العاصمة مكسيكو سيتي «اشتد نقص المياه للغاية هذا العام. وما نواجهه الآن مشكلة سيئة للغاية»، وأصبحت الصهاريج بمثابة شريان الحياة في المدينة التي يبلغ تعداد سكانها 22 مليون نسمة، والذين ينتظرون هطول المطر أو قليلاً من الغوث. وتتفتح أزهار أشجار الخاكرنداس في جميع أنحاء مدينة مكسيكو سيتي، وتبدو أزهارها الأرجوانية المائلة إلى الزرقة وكأنها تسخر تقريباً من الاختناق والهواء الملوث في هذا الفصل الجاف. ووسط النقص في الموسم، لجأ المسؤولون إلى التقنين. ويقول السكان إن الملايين لا يحصلون الآن إلا على خدمة متقطعة، وأحياناً تصل إلى ساعة في الأسبوع أو أقل من المياه الجارية. ويستطيع الأثرياء شراء الماء من مزودين خاصين، ولكن هذا ليس خياراً متاحاً بالنسبة لجميع السكان، إذ إنه بالنسبة لهم يتطلب الأمر التدافع قبل الفجر للوصول إلى مواقع الاشتراك، لكتابة أسمائهم على قوائم مكتوبة لشاحنات الصهاريج، المعروفة باسم بيباس، أو الأنابيب. وقالت أليخاندرا رودريغز (53 عاماً): «من دون ماء، ماذا نستطيع أن نفعل؟»، مشيرة إلى أن الصهريج الذي وصل إلى مجمع تلالبان السكني، الذي تعيش فيه أربع عائلات، وهو أول صهريج يصل إليهم منذ شهرين. وأضافت «عندما شاهدت الصهريج قد وصل في نهاية المطاف، قفزت من الفرح». شبكة توزيع متهالكة وأدى الجفاف والتبخر إلى جعل نظام خزان كوتزامالا النائي، الذي يزود مدينة مكسيكو وضواحيها بنحو ثلث مياهها، عند مستوى أقل من 40% من طاقته، أي ما يقرب من نصف المستويات التاريخية في هذا الوقت من العام. وبدأت السلطات في الحد من التوزيعات العام الماضي. وأدى التسريب الهائل في شبكة توزيع المياه المتداعية في مكسيكو سيتي - التي يبلغ طول الأنابيب فيها نحو 8000 ميل، ويزداد الإضرار في الشبكة بانتظام نتيجة التحولات الزلزالية - إلى المزيد من استنزاف الاحتياطات. ويتم فقدان ما يراوح بين 30% و40% من المياه التي يجري ضخها في النظام القديم، بسبب التسريبات، وسبب آخر، يتمثل في أخذ وصلات من الشبكة بصورة غير مشروعة. وتعهد المشرعون باتخاذ إجراءات صارمة ضد ما يقولون إنه عدد متزايد من الأفراد والعصابات الذين يستغلون قنوات المياه بشكل غير قانوني. وقال محافظ المدينة مارتيس باتريس للصحافيين «لا يمكننا السماح للصوص باستجرار المياه»، مستخدماً مصطلحاً يتم استخدامه للصوص الذين يسرقون البترول من الأنابيب. • أدى الجفاف والتبخر إلى جعل الخزان، الذي يزود العاصمة وضواحيها، عند مستوى أقل من 40% من طاقته. • الملايين لا يحصلون الآن إلا على خدمة متقطعة، وأحياناً تصل إلى ساعة في الأسبوع أو أقل من المياه الجارية. مناطق نائية العديد من الناس يشعرون باليأس، لأن صهاريج المياه، التي يحمل معظمها نحو 2600 غالون، تنفد بسرعة أثناء قيامها بجولاتها إلى المناطق النائية في منطقة إزتابالابا، التي يسكنها ما يقرب من مليوني شخص. وتطلب السلطات من سائقي الصهاريج الالتزام بقائمة رسمية تجمع عناوين الأشخاص الذين انتظروا لأيام أو أسابيع كي يصلهم الماء. وقال سائق الصهريج، مويسيس بيريز ميدنا (27 عاماً)، الذي يعمل في إزتابالابا، ويحمل الخراطيم بمهارة وكأنها رفيق له طوال اليوم، يرافقه ابنه جيوفاني، البالغ من العمر خمس سنوات: «يلومنا الناس على نقص المياه، لكن هذا ليس خطأنا»، مضيفاً «أنا من هنا، أحاول فقط مساعدة الناس، وكسب العيش لعائلتي». طابع سياسي اتخذت أزمة المياه طابعاً سياسياً واضحاً، في عام الانتخابات الوطنية، حيث يقوم المتظاهرون الذين يطالبون بالمياه بإغلاق الشوارع والطرق السريعة بانتظام. وتتفاخر كلوديا شينبوم، وهي العالمة التي تلقت تعليمها في جامعة بيركلي، ومرشحة الحزب الحاكم لمنصب الرئيس، بأنها قامت بتحسين إدارة المياه المحاصرة في مكسيكو سيتي كرئيسة للبلدية من عام 2018 إلى عام 2023، ولكن المعارضة أظهرت تحديها لكلوديا كي تشرب المياه التي تجلبها الصهاريج علناً، والتي تقول بلدية المدينة أنها صالحة للشرب. ويقول معظم السكان إنهم يشربون فقط المياه المعبأة في القناني، لأنهم لا يثقون بمياه البلدية، سواء كانت تأتي عبر الصهاريج أم عبر صنابير المياه في المنازل. وأضافوا أنه بالنظر إلى النقص الحالي للمياه، اضطر الكثيرون إلى الاعتماد على مياه القناني الغالية الثمن من أجل الغسيل أيضاً، ويعيدون استعمالها مرة ثانية من أجل شطف المراحيض. ويحذر منتقدو الرئيس أندرياس مانويل لوبيز أبرادور، وهو معلم شينبوم، بصورة مشؤومة من مستقبل يعمه الجفاف. وقال المدير السابق للجنة المياه الوطنية المنتمي الآن للمعارضة خوسيه لويس لويجي تاماروغو، في مقابلة إذاعية: «نحن على حافة الهاوية، وسنجد أنفسنا في وضع لن نكون قادرين على التعامل معه». ولكن حلفاء الرئيس الذي ينتمي إلى الجناح اليساري رفضوا هذا الحديث، واعتبروه دعاية لنشر الرعب. وقال محافظ مكسيكو سيتي مارتيس باتريس، وهو عضو في حزب مورينا الحاكم، للصحافيين، الشهر الماضي «لا يوجد شيء اسمه (يوم صفر)، إنها أخبار ملفقة من المعارضة المحافظة، إذ إن خدمات مياه الشرب في مكسيكو سيتي مضمونة في المدى القصير والمتوسط والبعيد». ويقول العلماء إن «اليوم صفر» غير متوقع قريباً، وحتى إذا أدى الجفاف المستمر إلى تجفيف الخزانات الموجودة خارج المدينة، فإن المدينة لاتزال تحتفظ بكميات من المياه الاحتياط في نظام طبقات المياه الجوفية تحت الأرض. حلول مقترحة فرضت السلطات قيوداً صارمة على ضخ المياه من الخزانات، كما خفضت إمداداتها للسكان. ونتيجة لذلك، يضطر العديد من سكان مكسيكو سيتي إلى العيش من دون إمدادات مياه عادية لأشهر عدة، والاكتفاء بكمية قليلة من المياه، التي يتم توفيرها لبضع ساعات كل بضعة أيام. إضافة إلى ذلك، يضطر الناس إلى دفع الكثير من المال مقابل الماء. يشار إلى أن موسم الأمطار في المكسيك من المتوقع أن يستمر أربعة أشهر، ويعتقد خبراء محليون أنه قد ينتهي مبكراً، وأحد الحلول المقترحة هو تحسين جودة معالجة مياه الصرف الصحي، واتخاذ التدابير لاستعادة الأنهار. من جانبها، ذكرت التقارير أن الجفاف في المكسيك وولاية لويزيانا الأميركية، قد تسبب أخيراً في انخفاض إمدادات السكر في السوق الأميركية، وأجبر نقص السكر صانعي الحلوى على استيراده وتحمل التعريفات الجمركية، كما ارتفعت أسعار الحلويات الأميركية بمتوسط يزيد على 13% خلال العام الماضي. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :