من أوضح تعريفات الفساد الإداري ما يتعلق: بالهدر وسوء استعمال الموارد العامة، والقصور عن إدارة المقدرات المادية والبشرية بشكلها الأمثل، فإذا كان تعليم المرأة لدينا بدأ عام 1960، والدولة خصصت طوال ما يربو على النصف قرن جزءا كبيرا من مقدراتها الاقتصادية لتعليم وتأهيل وتدريب المرأة، حتى إذا ما وصلنا عام 2016، نجد أن نسبة البطالة النسائية المحلية وصلت إلى 32،8 % الأعلى عالميا حسب تقرير صندوق النقد الدولي، عندها لابد من التوقف ومراجعة الأرقام السابقة. فهذه الأرقام يجب ألا تمر بسهولة فهي لا تتعلق فقط بالهدر المالي والبشري الوطني، بل تتجاوزه للعبث بالاستقرار الاجتماعي وانعكاسات هذا على الاستقرار السياسي والأمني، فرفع الدعم الاقتصادي عن الأسرة، سيعرض الطبقة الوسطى للإعالة أي (الأسرة التي تعتمد على دخل فرد واحد فقط من أفرادها)، والجميع يعلم ان استقرار ورفاه الطبقة المتوسطة هو عادة الذي يحفظ توازن المجتمعات. ولا أدري عن المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد محليا كنزاهة، وهيئة الرقابة والتحقيق.. كيف تناولت الفساد الإداري المتعلق بملف المرأة، والذي يمثل أحد أبرز مواضع الهدر الوطني، ولكنه مجلل بغشاوة من الأعراف التي ترفض أن تكون جزءا من المسيرة الوطنية. ولن نقول جديدا هنا إذا ما ذكرنا أنه كلما اقتربت المواطنة من مواضع صناعة القرار، أزالت عقبة كانت قد رفعت في مسيرة مشاركتها وتمكينها، هنا نجدها مناسبة طيبة لنحتفي بتعيينات الأسبوع الماضي (البروفيسورة أسماء باهرمز في وزارة النقل، وغادة السبيعي في وزارة التخطيط). هذه المشاعل الواعدة تحيلنا إلى أن المسيرة ما برحت طويلة ضد من يعبث بالمقدرات الوطنية، ويعرقل دورة الاقتصاد الوطني داخليا. ولنأخذ لمحات سريعة من المشهد. - المرأة في مجال الأعمال والاستثمار يرتفع في وجهها اشتراطات الولي العائلي والرسمي والإداري، بحيث تبقى في خانة نصف مواطنة، أو حتى ربع مواطنة. - المشروع الايجابي الكبير في توظيف المواطنات في بيع أدوات ولوازم النساء، يُحاصر من لوبي مثلث ضلعه الأول أصحاب الأجندات الظلامية المتمركزين على العديد من المفاصل، الضلع الثاني مجموعة من التجار الجشعين الذين يسعون إلى العامل الأجنبي الرخيص، ويسرقون اللقمة من صحون بنات الوطن ويراكمونها داخل ذممهم الواسعة، أما الثالث فهو وزارة العمل غير القادرة على المحافظة على مكتسبات المواطنات، وبشكل منقطع عن مشروعات التنمية وطموحها في الاستثمار في الانسان السعودي. - قطاع كبير من الصيدلانيات أعدت لهن وزارة العمل خطة للمشاركة، ولكن الخطة أجهضت بشكل غامض عبر مهدري المال الوطني العام. - وعادت السلطانات المنسيات، المواطنات النبيلات يفترشن الأرصفة كبائعات، يكابدن وعثاء الطريق وغبار نعال البائع الأجنبي المستظل بالدكاكين المكيفة؛ لأن الذهنية الاقصائية تجد أن هذا هو المكان الذي يليق بهن، تماما كوزارة الشؤون البلدية التي أفسدت فكرة تمكين المواطنة ومسؤوليتها المشتركة في الانتخابات البلدية عبر إعادة اختراع الحرملك البلدي. المحصلة: مسؤولية كبرى تنتظر هيئة الفساد وهيئة الرقابة والتحقيق في متابعة والأخذ على يد من يضع العصيّ في عجلة مركبة الوطن، ويمنع الوطن من الاستثمار في طاقاته ومقدراته ويسلمها للهدر والتبديد. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :