لمصطلح «القراءة السيرذاتية» دلالتان: أولاهما تستدعي حياة القارىء؛ والثانية تستدعي حياة الكاتب. ففي الحالة الأولى يستدعي قارىء الرواية حياته الشخصية ويدمجها كلها أو بعض أبعادها على الأقل في قراءته ويصبح القارىء منغمسا في الرواية وأحداثها وكأنه جزء منها، وقد يتقمص هذا القارىء شخصية واحدة أو أكثر من شخصيات الرواية أثناء قراءتها ويربطها بتجاربه وعواطفه الذاتية. ويمكن أن تؤدي هذه القراءة السيرذاتية للرواية إلى ارتباط أعمق بحبكة الرواية وشخصياتها، حيث قد يرى القارىء انعكاسات لنفسه داخل السرد. كما يمكن أن تقدم هذه القراءة أيضًا تجربة قرا ئية أكثر خصوصية وثراء، حيث يمكن للقراء تفسير الرواية بطريقة ذات معنى لحياتهم الخاصة.، كما يمكن لقراءة الروايات قراءة سيرذاتية أن تعزز تقدير الفرد وفهمه للأدب وتعمقه. وهذا النوع من القراءة السيرذاتية للرواية هو نوع مشروع فيما أحسب ، وقد يمارسه جل القراء بطريقة أو بأخرى، وغالبا ما يكون هذا النوع من القراءة قراءة استهلاكية بالدرجة الأولى تخص القارىء ذاته وطريقته في إمتاع نفسه وإفادتها، ولا يُنتظر منه أي محاولة للتعبيرعن تلقيه السيرذاتي للروايةكتابة، بل يكتفي بما تحقق له من متعة ذاتية. أما الدلالة الثانية لهذا المصطلح فتعني أن القارئ يستدعي حياة كاتب الرواية بطريقة أوبأخرى أثناء قراءته إياها، ويستبدل شخصية البطل في الرواية بشخصية كاتبها، ففؤاد الطارف بطل رواية شقة الحرية لغازي القصيبي ما هو إلا غازي القصيبي نفسه في هذه القراءة للرواية، وشخصية هشام العابر في رواية أطياف الأزقة المهجورة لتركي الحمد ما هو إلا المؤلف نفسه… وهكذا، وهذا النوع من التلقي ليس مشروعا في اعتقادي، ولو أنه يمكن تفهمه أحيانا، وذلك لأنه مبني على محددات قرائية خارج نصية، يستدعيها القارىء لتسويغ قراءته السيرذاتية للرواية. وهذا النوع الثاني هو الذي نجده عادة منشورا في الصحف والمجلات والدراسات النقدية. والحقيقة أن هذا النوع من القراءة السيرذاتية مضر بالكاتب وبعمله الروائي على حد سواء، كما سبق أن بينت ذلك في بحث لي بعنوان « سيرذاتية الرواية السعودبة» ، فهو من جانب يحمّل الكاتب تبعات الأحداث التي يقوم بها بطل روايته بعجرها وبجرها، ويوقعه في مآزق وورطات وإحرجات اجتماعية وأخلاقية… لا شأن له بها، وهو من جانب آخر يتسبب في تقديم قراءة سطحية للرواية تتهرب من مناقشة الأبعاد الفنية فيها مناقشة معمقة وتكتفي بقراءة سيرية ثيمية باهتة ومتجنية.
مشاركة :