في اجتماعه مع ممثلين من الدوائر التجارية والاستراتيجية والأكاديمية الأمريكية، حث الرئيس الصيني شي جين بينغ الجانب الأمريكي على تطوير تصور استراتيجي صحيح تجاه الصين. في السنوات الأخيرة، واجهت العلاقة بين الصين والولايات المتحدة رياحا معاكسة شديدة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التصور المعيب للغاية بين السياسيين الأمريكيين تجاه الصين والذين ينظرون إليها بمثابة المنافس الاستراتيجي طويل الأجل و"التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية". وبدلا من الاعتراف بالآفاق الايجابية للتعاون متبادل النفع، أدى سوء الفهم هذا إلى إدامة دورة من الشكوك والعداء ضد الصين. ونتيجة لترسخ عقلية الحرب الباردة المتمثلة في المواجهة الإيديولوجية والمخاوف الاستراتيجية العميقة، أساء البعض في واشنطن الحكم بشدة على التزام الصين بالتنمية السلمية وتعمدوا تشويهها. قد يختلف مسار التنمية في الصين عن نظيره في الولايات المتحدة، لكنه يقوم بالأساس على مبادئ يتردد صداها لدى شعبها ويسهم في تقدمها. لقد أدركت الصين والولايات المتحدة منذ بداية تعاونهما التفاوتات العميقة بينهما من حيث النظم السياسية ومراحل التنمية. وعلى الرغم من هذه الخلافات، أقام البلدان علاقات دبلوماسية، وعمقا التعاون القائم على المصالح المتبادلة، وعملا معا للمساهمة في السلام والرخاء العالميين. لن تصبح الصين ولايات متحدة أخرى، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تعيد تشكيل الصين وفقا لتفضيلاتها الخاصة. في الواقع، تلقت قيادة الحزب الشيوعي الصيني والنظام الاشتراكي دعما قويا من أكثر من 1.4 مليار صيني، الأمر الذى يعد بمثابة حجر الزاوية لتنمية الصين واستقرارها. ومن الأجدى أن يتمتع السياسيون الأمريكيون المعاصرون بنفس الحكمة السياسية والشجاعة التي أظهرها أسلافهم في إدارة العلاقات مع الصين. وفيما يتعلق بنواياها الاستراتيجية، التزمت الصين بتجنب ممارسات الاستعمار والاستغلال البالية فضلا عن رفضها السعي إلى الهيمنة. فالصين لا توجد لديها أية تطلعات لتحل محل الولايات المتحدة بل تركز أهدافها التنموية على مواصلة تحسين رفاه الشعب الصيني وتقديم مساهمات كبيرة في التنمية المستدامة العالمية. على النقيض من ذلك، يبدو أن اهتمام واشنطن يتركز بشكل متزايد على هيمنتها الآخذة في التراجع. وفي عالم يتسم بتعدد الأقطاب والتعاون متعدد الأطراف، أصبح مفهوم الهيمنة بائدا. علاوة على ذلك، سيكون من الحكمة أن تعيد واشنطن توجيه تركيزها إلى الداخل، ومعالجة القضايا الداخلية من الداخل، بدلا من مجرد توجيه اللوم إلى الآخرين. خلال قمتهما في سان فرانسيسكو العام الماضي، توصل الرئيس شي والرئيس الأمريكي جو بايدن إلى توافق مهم بشأن ضرورة استقرار العلاقات الصينية-الأمريكية وتحسينها. وفي الأشهر القليلة الماضية، عمل المسؤولون الصينيون والأمريكيون على متابعة التفاهمات المشتركة للرئيسين، وحافظوا على التواصل وأحرزوا تقدما في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية ومجالات إنفاذ القانون ومكافحة المخدرات وتغير المناخ والتبادلات الشعبية. ويتعين هنا على الجانبين الحفاظ على زخم انتعاش العلاقة واستقرارها من خلال الاستكشاف النشط للطريقة الصحيحة لتعايش البلدين، وتعزيز التنمية المستدامة والثابتة والسليمة للعلاقات الصينية-الأمريكية. وفي حين أن العلاقات الثنائية لا يمكن أن تعود إلى الأيام الخوالي، لا تزال هناك آفاق واعدة لمستقبل أكثر إشراقا إذا صححت واشنطن تصورها الاستراتيجي تجاه الصين وأعطت الأولوية للتفاهم والثقة والتعاون المتبادل. هل الصين والولايات المتحدة خصمان أم شريكان؟ إن معالجة هذا السؤال المحوري، الذي أثاره الرئيس شي خلال زيارته إلى سان فرانسيسكو في نوفمبر، أمر بالغ الأهمية لتعزيز الاستقرار لواحدة من أهم العلاقات الثنائية في العالم.■
مشاركة :