كان اعتماد بريطانيا على التمويل الخارجي سبباً في فقدان هيبتها في حرب السويس، حيث أمكن للولايات المتحدة وقف تلك المغامرة العسكرية الفاشلة بحجب المساعدات المالية التي كان لا بد منها للحيلولة دون تعرض الاسترليني للانهيار. وبعد مرور 60 عاماً يعاني ميزان الحسابات الجارية البريطاني من عجز خطر ومتفاقم بلغ أعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية. لكن هذا ليس سبباً مباشراً للقلق. إلا أنه مع اقتراب التصويت على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لا تزال البلاد أكثر اعتماداً على إحسان الغرباء على حد قول محافظ بنك انجلترا مارك كارني. والحقيقة أن حد العجز المتفاقم يثير القلق خاصة وأن أحدث البيانات تقول إن بريطانيا بحاجة إلى اقتراض أو بيع ما يعادل 7% من ناتجها الإجمالي المحلي لسد الفجوة في ميزانها التجاري مع بقية دول العالم. وهذا رقم يطرح بكل المقاييس أسئلة كثيرة حول توازن الاقتصاد البريطاني وهشاشته وهل سيطرأ أي تغيير على موقف وشهية المستثمرين حيال الأصول البريطانية. لكن تلك البيانات على أي حال لا تخلو من مبشرات. فتقلبات الحساب الجاري البريطاني ارتبطت تاريخيا بحركة الصادرات وما يطرأ عليها من تذبذب. لكن الأمر اليوم لم يعد كذلك. فالصادرات البريطانية لم تشهد نهضة في السنوات الأخيرة رغم التسهيلات الحكومية ومع ذلك حافظ الميزان التجاري على استقراره. والتغيير الكبير تمثل في تدني معدلات صافي الدخل من الاستثمارات. وترى كريستين فوربس عضو لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا أن هذا التحول في هيكلية ميزان الحسابات الجارية ربما ينفع في حماية الاقتصاد في حال تعرضه لأزمة محلية طارئة تتزامن مع احتمالات التصويت بالإيجاب على انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. ويمكن تقاسم الخسائر التي تتعرض لها أسعار الأصول البريطانية مع المستثمرين الأجانب حيث يرفع انخفاض قيمة الجنيه قيمة الاستثمارات البريطانية في الخارج بنسبة توازي ديون بريطانيا للأجانب. لكن حتى في هذه الحالة سوف يقتصر تأثير شراكة المخاطر على الحد من تفاقم أزمة الثقة في الاقتصاد المحلي. فالعجز الكبير في الحسابات الجارية البريطانية يعني أن بريطانيا تبقى دائماً عرضة لتوقف مفاجئ في تدفق الاستثمارات الأجنبية. ومع تعويم أسعار الصرف سوف يتسبب ذلك في أزمة اشد من أزمة 1956 أو ما تعرضت لها بعدها من أزمات. وبرهنت بريطانيا على مقدرة فائقة في تجنب آثار أزمة 2008 لكن النتائج هذه المرة ستكون مؤلمة سواء لجهة رفع معدلات التضخم أو التأثير على مستويات المعيشة. والعجز الذي تعاني منه بريطانيا حاليا هو الأكبر بين مجموعة الدول المتقدمة. ويعتقد مؤيدو انفصالها عن الاتحاد الأوروبي أن هذا العجز ناتج عن اعتماد الاتحاد على التجارة مع بريطانيا. لكن هذا فهم مغلوط للبيانات. والمستثمرون الأجانب لا يزالون راغبين في تمويل العجز البريطاني. إلا أنها ليست ميزة إيجابية للاقتصاد المتوازن كما أنه ليس من الحكمة منح المستثمرين الأجانب مبرراً للنفور.
مشاركة :