لم يكن ملتقى الكتّاب السعوديين الثاني الذي أقيم في المنطقة الشرقية قبل عدة أيام، مجرد حدث ثقافي موسمي ضم كاتباً وكاتبة من مختلف المؤسسات الإعلامية الوطنية، ولكنه كان أشبه بمراجعة دقيقة وشفافة وجريئة لواقع الكتابة الصحفية ومدى تفاعلها مع الأحداث الوطنية الكبرى التي شكلت "سعودية حديثة" تتجه بكل ثبات وطموح وحكمة نحو العالم المتقدم الذي تستحق الانضمام لعضويته بما تملك من ثروات وقدرات وإمكانيات هائلة، سواء كانت بشرية أو مادية، ولعل مشروع "التحول الوطني" هو الخطوة الواثقة باتجاه تشكل الوجه الحضاري والإنساني لهذا الوطن الكبير. فعلى مدى يومين مزدحمين بأوراق العمل والمحاضرات واللقاءات والحوارات والنقاشات الهادفة والمهمة، استطاع النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية أن يُدشن عودة قوية لهذا الصرح الثقافي العريق الذي غاب كثيراً عن المشهد الثقافي الوطني. كثيرة هي القضايا والمحاور والمواضيع التي أثيرت بحماس وفاعلية خلال هذا الملتقى الرائع، والتي تتعلق بواقع الكتابة الصحفية التي أصبحت تُمثل أهم عوامل الجذب والتأثير والتغيير التي تتمتع بها المؤسسات الصحفية الورقية والرقمية، ورغم الحضور القوي لملامح التباين والتمايز والاختلاف بين الكتّاب الذين يُمثلون الكثير من المدارس والأطياف والأساليب الصحفية المتنوعة، إلا أن ثمة اتفاقاً تاماً بين كل المشاركين في هذا الملتقى، وهو أن الكاتب الصحفي يُعد أحد أهم روافد التنوير والتثقيف والتغيير، لأنه يُسهم في صياغة وتشكيل وتوجيه فكر ومزاج وسلوك المجتمع بكل أفراده ومكوناته وتعبيراته، وهنا تكمن أهمية وخطورة وتأثير كاتب المقال كأحد قادة الفكر المساهمين في صناعة الرأي العام. وقد جاء البيان الختامي لهذا الملتقى الوطني المهم منسجماً مع طبيعة وظروف المرحلة الاستثنائية التي تشهد صناعة واقع جديد له إعلامه وجمهوره وأدواته ووسائله وتأثيراته، يُمثل فيه المقال/الرأي الصحفي الذراع القوي والعلامة البارزة في مسيرة الصحافة الوطنية الحديثة. كثيرة هي التوصيات التي غص بها البيان الختامي لملتقى الكتاب السعوديين الثاني، ولكنني انتخبت عشراً منها أجدها الأهم والأكثر واقعية وهي: ضرورة اهتمام الصحف بكتّابها عبر إمدادهم بالمعلومات والبيانات والحقائق التي يحتاجونها لممارسة دورهم الحقيقي، أن تمنح المؤسسات الإعلامية الحرية لكتّابها للتعبير عن أفكارهم وقناعاتهم ولكن بمسؤولية ومهنية وشفافية، ضرورة وجود مراكز تدريبية لتأهيل وتدريب الكتّاب على أحدث الوسائل والأساليب الحديثة في الكتابة التي تتجدد وتتطور بسرعة فائقة، تشجيع الكتّاب على التنافس والتميز والإبداع من خلال استحداث الجوائز الصحفية، الاهتمام بقيمة المواطن واعتبار كل قضية تتعلق به كبيرة تستحق الكتابة عنها، التماهي مع الأحداث والمواقف الوطنية وعدم الانشغال بالجزئيات التي قد تُسبب شرخاً في وحدة الصف الوطني، الحفاظ على القواسم المشتركة وتغليب الانتماء للوطن على كل الانتماءات الخاصة، الارتقاء بمستوى الكتابة الصحفية باعتبارها رسالة وأمانة ومسؤولية، الانفتاح بشكل كبير على الوسائط والوسائل الإعلامية التفاعلية الحديثة وعدم الاكتفاء بالصحافة التقليدية، التحول المنضبط من الصحافة النخبوية إلى الصحافة الشعبية دون التنازل عن القواعد والأدبيات والأساسيات الصحفية. هذه التوصيات العشر رائعة حد الإلهام، ولكن السؤال هنا: متى تخرج من "أدراج التوصيات" لتطبق على أرض الواقع؟. fadelomani@yahoo.com
مشاركة :