اجتمعت ثلة من المهتمين بالشأن الاجتماعي الخيري الثلاثاء الماضي لانتخاب مجلس إدارة جديد، لواحدة من أعرق الجمعيات الخيرية بالمملكة؛ وهي الجمعية الخيرية بمكة المكرمة، وبعد أن انفض السامر، وتم الانتخاب، وأعقبه الدعاء بالتوفيق للمجلس الجديد، عادت الذاكرة إلى جلسات أحاديث ذلك الرجل النبيل، وأعني به السيد أمين عقيل عطاس ـ رحمه الله ـ عندما كان يحكي ويكرر قصصا جميلة عاصرها في حياته، ومنها قصته لأكثر من ثلاثين عاما مع هذه الجمعية العريقة.. أذكر من تلك المكررات نسبة السيد أمين إنشاء الجمعية إلى معالي الدكتور عبدالوهاب عبدالسلام عطار، ـ وكيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للشؤون الاجتماعية آنذاك، وزير الاقتصاد والتخطيط بعد ذلك ـ ، وأنها من بنات أفكاره، وأنه صاحب الفضل بعد الله في تأسيسها، والأحق بالتكريم.. حكى السيد أمين أن الدكتور عبدالوهاب اتصل به ذات يوم، وأخبره أن الوزارة تعطي مبالغ إعانة للجمعيات الخيرية، وأنه لا يوجد في مكة المكرمة جمعيات خيرية، فقال له يوجد "هيئة صندوق البر" - بالمناسبة هذا الصندوق جاء استجابة لمقال شهير للشيخ صالح محمد جمال، عنوانه (يا أصحاب الثروات أحسنوا كما أحسن الله إليكم) ـ فأخبره أن الدولة لا تقدم الإعانات إلى الصناديق، لأن الصندوق لا ينطوي على فكرة المؤسسات الدائمة، وعادة ينتهي بموت القائمين عليه، والمطلوب إنشاء جمعيات، أي جمعية عمومية تنتخب مجلس إدارة لها، ويكون لها صفة استمرار العمل المؤسسي، فاتصل السيد بالأساتذة مؤسسي الصندوق ـ صالح جمال، عبدالله عريف، أحمد جمال، حامد مطاوع، عبدالرزاق بليلة، عبدالعزيز الرفاعي، عبدالعزيز ساب، عمر عبدالجبار ـ كل على حدة، ولكنهم آثروا عدم تحويل الصندوق إلى ما يشبه المؤسسة، لأن عمله يتضمن أسرار الناس، ولا يمكن البوح بها؛ ثم قال السيد أمين وبعد أن وصلني من الأخ عبدالوهاب القانون الصادر من مجلس الوزراء، الخاص بالجمعيات الخيرية، وجهت الدعوة إلى الخيرين، ومنهم القائمون على صندوق البر، وناقشنا في المنزل الفكرة وأهدافها، وأسسنا الجمعية الخيرية تلك الليلة، وكان أول رئيس لها هو معالي الدكتور حامد هرساني ـ وزير الصحة سابقا ـ ، ثم اخترت رئيسا بعده.. المتابعون يعرفون أن الجمعية الخيرية قد حظيت بالسيد أمين عطاس، فقد كان غيورا عليها، وكان محلا لثقة مختلف طبقات المجتمع فيه؛ هاتفه يوما سمو الأمير ماجد مبشرا بأن في يديه للجمعية خمسة ملايين ريال من جلالة الملك خالد، وأربعة ملايين من صاحب السمو الملكي الأمير فهد ولي العهد، آنذاك ـ رحمهم الله جميعا ـ ، ولم يقصر معها الموسرون من أمثال المؤسس الأستاذ فيصل بدر، الذي تبرع لها بأرض مساحتها عشرة آلاف متر مربع، والأستاذ عبدالله طه بخش، والأستاذة سلطانة علي رضا، وصاحب العقلية الاستثمارية الفذة الأستاذ فؤاد قطان، ومعالي الشيخ أحمد زكي يماني وغيرهم.. اليوم تبدأ الجمعية مرحلة جديدة، والظن في الله جميل؛ أن تستمر في عطائها المعهود كما كانت، بل وأكثر.
مشاركة :