البحيرة مترامية الأطرف تحيطها الغابات وكان الطقس باردا في هذا الوقت في أوربا، وامتدت مياه البحيرة الى داخل الغابة لتشكل بحيرات صغيرة، راحت تسبح فيها العديد من طيور الإوز والبط ! كان هناك إوزة شدني منظرها وهي تسبح برفقة صغارها، تارة تغطس بعنقها الطويل داخل الماء لتخرج منه بعض الأعشاب والنباتات الهلامية البحرية لتناولها أحد الصغار في مشهد عظيم يجسد عظمة الخالق عز وجل.. ويكشف للمشاهد له كيف يكمن الحب والعطف والاهتمام لدى الامهات وفي مختلف المخلوقات! رحت التقط صورا للمشهد لتوثيقه! ويبدو أن حركتي واقترابي منها وصغارها جعلها تتطلع الي وتقول: عفوا عفوا أيها السيد، أليس لديك ماترميه لنا.. يبدو أن برودة الطقس اليوم حرمتنا اليوم من زوار البحيرة خاصة في هذا الوقت المبكر من الصباح! وبالتالي أشعر بجوع صغاري.. فرحت كما شاهدت أبحث لهم عما تيسر من نباتات وأعشاب. ابتسمت لها باحترام وقلت: لدي بعض البسكويت هل ينفع؟! فقالت وهي تواصل عنايتها بصغارها: ينفع كله من خير الله، ورددت قائلا: أرجو ايتها الإوزة الحنون أن تسمحي لي بالحديث معك عن عالمكم في مجتمع الإوز الرائع.. كيف تتحملون برودة الطقس ومياه البحيرات والمستنقعات الباردة، فردت: خلق الله لنا ريشا يقينا من برودة الطقس وبالتالي نستطيع تحمل الجو البارد، ولكن عندما يتحول إلى درجة الجليد فإننا عادة نهرب ونحتمي داخل الغابة والأحراش، الشيء الوحيد الذي نخاف منه هو بعض الحيوانات المفترسة كالثعالب والذئاب، ونفضل العيش كمجموعات، وهناك مزارع متخصصة تهتم بتربية أنواع كثيرة منا ومنها الإوز العربي أو بمعنى أدق المصري، فهو إوز مطلوب مثل التركي والرومي. دهشت عندما سمعت الاسم العربي فقلت: اسمحي لي أيتها الوزة الحنون كيف وصل الوز العربي الى هنا؟ فقالت وهي تنتفض.. وتهتز: ألا تلاحظ اجنحتنا الطويلة.. ألا تعلم بهجرة الطيور السنوية.. ألا تذكر جدودكم العرب الفاتحين وغيرهم من المسلمين لقد حملوا معهم خلال فتوحاتهم وقدومهم إلى مالطا وصقلية وحتى جنوب إيطاليا أنواعا مختلفة من الطيور والدواجن.. فبالتالي تناسلت الطيور.. لكن الوزة العربية والمصرية يعرفها الخبراء وعلماء الطيور فلها خصائصها كما يعرف الحصان العربي. فقلت منتشيا بما سمعته منها: نعم نعم تذكرت هذه المعلومات.. لقد سبق وأن اطلعت عليها، فردت باسمة: المعلومات والحقيقة مثل الشمس لاتصدأ بمرور الزمن ولاتختفي مهما حجبتها الغيوم! ثم قالت: يبدو أنك عربي! شعرت بذلك فعادة يسعد المرء عندما يذكر أمامه اسم وطنه أو قوميته، هل صحيح هذه المعلومة؟ نعم المعلومة صحيحة أيتها الإوزة الحنون! فابتسمت وقالت: ستحب هذا المكان وسوف تتذكره فكم كاتب وفنان جلس هنا وراح يتأمل ويفكر ويكتب! وأضافت وهي تواصل اهتمامها بصغارها: آمل أن تتذكر هذا اللقاء وحديثنا معا.. قلت: وهل تتصورين أنني لن اتذكر ذلك أو حتى أنساه أو اتناساه؟ وعلى الأخص وأنا قد التقطت لك صورا توثق المشهد! كذلك كلماتك والمعلومات التي أشرتِ اليها.. جميعها باتت في ذاكرتي وصورك في كاميرتي! وفجأة اضطرب ماء البحيرة فقدوم أحدهم في قاربه جعل الإوزة الحنون تضطرب أيضا خوفا من القارب أن يصيب صغارها بضرر فراحت تحدث أصواتا صاخبة، وتندفع مع صغارها الى حافة البحيرة.. وتطلعت الى مودعة وهي تسبح بعيدا.. بعيدا.؟!
مشاركة :