سيد حجاب.. الشعر نبض البسطاء

  • 4/11/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة رؤية خاصة تميزه عن قامات جيله، فالشاعر المصري الكبير سيد حجاب، لا يكتب إلا وهموم البسطاء على كتفيه، يعرف جيداً كيف يمس وجدانهم، ويلعب بمهارة فائقة على أوتار حساسة للغاية، تشغلهم ليلاً ونهاراً، فالرجل فيلسوف ألبسته الثقافة والمعرفة ثياب شاعر، تحاكي كلماته دائما الإنسان البسيط، وتثري مكتبة الأغنية العربية بروائع خلدها الزمن، تنوعت بين الغناء والأعمال الدرامية سواء سينما أو تلفزيون أو مسرح. في بيت مشبع بالوطنية، ولد سيد حجاب في قرية المطرية بالدقهلية شمال شرق الدلتا بمصر، سبتمبر/ أيلول 1940، وكانت بلدته تعتمد على حرفة الصيد كمهنة أساسية، وبسبب القرب الشديد من بورسعيد، كانت قريته ملجأ للفدائيين والمقاومة في بورسعيد، فعاصر ما تبقى من ملامح الحرب العالمية الثانية، ونشأ أمام صور الزعماء المعلقة على جدران منزلهم. وقتها كان يعتقد داخل نفسه أنهم أقرباؤه، ومن بينها صورة للزعيم أحمد عرابي في سيلان، وواحدة لسعد زغلول في سيشل، بالإضافة إلى كلمات الزعيم مصطفى كامل لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً ولا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، وكانت هذه الصور والعبارات في براويز من الخوص. أما والده فكان شاعراً عبقرياً، ويحفظ المعلقات السبع، إلا أنه توقف عن الشعر بفضل هموم الحياة، واكتفى برؤية تحقيق حلمه في نجله، كما جاور بالأزهر الشريف عدة سنوات، لكن تركه، وأكمل عمله إلى أن صار محامياً شرعياً في بورسعيد وعضواً في الهيئة الوفدية العليا. منزل والده كان يضم مكتبة ضخمة، وعرف الطريق إليها في سن مبكرة، وقرأ من سن ال 11 إلى 14 كماً هائلاً من الكتب بسبب الحصار داخل المنزل بعد أن انتشر مرض الكوليرا، فعكف في المنزل يقرأ كل صنوف الأدب بمكتبة والده، والتهم كل ما وقعت عليه عينه، فقرأ ألف ليلة وليلة، وديوان الحماسة، وغيرها من أمهات الكتب التي شكلت وعيه في مراحل عمره الأولى، أما والدته دولت مصطفى عوض رغم أميتها، إلا أنها كانت في آخر أيامها ناشطة اجتماعية وعضواً في لجان الاتحاد الاشتراكي اللجان النسوية. الشعر في حياة سيد حجاب، بدأ مجرد لعبة يمارسها مع والده، ولم يقرر ممارسته إلا بعد أن كبرت في دماغه، فالبداية كانت لعبة من الوالد يمارسها مع أصدقائه، وقتها كان سيد في السابعة من عمره، ويستمع كل ليلة لمطارحة شعرية خلال سهرات الوالد المنزلية حول المصباح الكيروسين، وكان والده يبدأ بقول بيت شعر، وبعدها يلقي هو بيتا شعريا يبدأ بآخر حرف بالقافية، وبعد أن نفدت محفوظاته بدأ يرتجل بيتا يتماشى مع القافية التي جاء بها الدور إلى أن كتبت أول قصيدة. ولما بلغ سن ال ١٦ نشر له الشاعر الراحل فوزي العنتيل قصيدة بالفصحى في بريد الشعراء بمجلة الرسالة الجديدة، بعد ذلك بثلاث سنوات قدمه الناقد الكبير الدكتور محمد مندور في برنامج كتابات جديدة التي كانت تقدمه السيدة سميرة الكيلاني بإذاعة البرنامج الثاني. وقدم البرنامج شاعر الهندسة، حيث كان قد التحق بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية وعمره ١٥ سنة ونصف السنة، وأمضى فيها عامين ثم نقل لهندسة جامعة القاهرة، قدمه د. مندور بحفاوة كبيرة وبنبوءة أن هذا الشاعر سيكون له شأن، وكان يكتب حتى ذلك الحين بالفصحى والعامية، وقدمه كشاعر فصحى، بعد ذلك قدمه الناقد الدكتور عبد القادر القط في مجلة كان يصدرها سعد الدين وهبة اسمها (الشهر) ونشر له في أحد أعدادها قصيدة اسمها (ثلاث أغانٍ إلى البعيد)، وبدأ يخطو باتجاه الندوات الأدبية وهو يجمع بين كتابة الفصحى والعامية، وقبيل عمر ال ٢١ التقى الشاعر صلاح جاهين وتحددت مسيرته بالكتابة بالعامية. يعتبر الشاعر سيد حجاب، من أهم الشعراء العرب المغنى لهم في الأعمال الدرامية من مسلسلات، سلسلة من أهم الأعمال المصرية الناجحة عربياً، كانت بصمة سيد حجاب موقعة عليها، ف الليل وآخره، وأميرة في عابدين وفيلم الأراجوز، وغيرها الكثير شهدت تميزه في كتابة الكلمة البسيطة المعبرة عن رؤى مجتمعه المصري، وفهمه للأعمال الدرامية، وتغلغله في أعماق الإبداع الدرامي. وفي تاريخ كتابة الأغاني للطفل، لا أحد يجاري سيد حجاب، ولا أحد قدم تجربة عريضة متكاملة وحققت نجاحاً أسطورياً سواه، فالرجل لا يكتب للطفل أغنية كي يرقص عليها فقط، بل يقدم فناً خالصاً في قصيدة مكتملة البناء، رغم سهولتها وجمالها الساحر، من هنا يمكن الدخول إلى شاعر بقامة سيد حجاب الذي رفض فكرة الشاعر الذي يصدر دواوين شعرية ويقتصر على الظهور في الندوات الثقافية، فجعل من الشعر رسالة تصل للطفل وتمتد فروعها لتشمل كل مناحي الحياة، وذلك بالتعاون مع الرائعة عفاف راضي والعبقري عمار الشريعي، فالثلاثة قدموا أهم تجربة غنائية للأطفال. ولما سألته عن علاقته بالموسيقار بليغ حمدي، سكت قليلاً وتنهد: كان من المفكرين الموسيقيين الكبار جداً، وأسعدني زماني وتعاملت معه في أعمال كثيرة، ولما اقتربت منه أكثر، وجدته عاشق حقيقياً لمصر، ولا هم له إلا وطنه وتطوير الموسيقى، ولأنه حالم موسيقي كبير، مات دون حقه، ومات مظلوماً، لذلك أنا أحسبه شهيداً، رحمه الله، كان الحبة الأخيرة من عنقود عبقري بدايته سيد درويش، فالرجل كان يحلم أن يتم تمصير الغناء، لكنه ظلم في آخر أيامه، ومات شهيداً مظلوماً في تهمة مهينة لا تليق بنبله وأخلاقه وفنه، فذهب ضحية لموجة عنيفة من الهجوم. سيد حجاب يرى أن الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، شاعر مهم للغاية، ورغم اختلاف المدرسة الجمالية بينهما، وعدم تطابق وجه شبه بين مفهوم الشعر والثقافة لديهما، إلا أنهما في نفس الخندق وحاربوا من أجل هدف واحد، فنجم لعب دوراً مهماً في الوقوف بجوار الحركة الطلابية في سبعينات القرن الماضي، وظل يلعب الدور نفسه إلى أن لقي وجه ربه، أما الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، فجمعته البدايات بسيد حجاب، لكن اختلفت رؤيتهما للحياة وللمفهوم الشعري بعد وقت قصير، وكان لكل منهم مشروع شعري مختلف. وقال عن الراحل صلاح جاهين: في تقديري أنه أحد الشعراء المؤسسين لشعر الحداثة والثقافة الوطنية المصرية الحديثة هو وأحمد شوقي وصلاح عبد الصبور، يليهم فؤاد حداد وبيرم التونسي، أما صديق مشواره الموسيقار الراحل عمار الشريعي فقد ذكره قائلاً: موهبة عظيمة في الموسيقى العربية الحديثة، وكان قادرا على تحديث الغناء والموسيقى العربية بما يملك من جذور موسيقية شرقية ومعرفة موسوعية بالموسيقى العالمية، باختصار عمار الشريعي كان في حياتي الجملة الموسيقية، وكنت في حياته الشطرة الشعرية. محطة جديدة في حياته اسمها ريم حجاب، وهي ابنته الوحيدة، ويقول عنها: أبدا لم أحاول أن استنسخ صورة أخرى مني، وتركت لها الحرية كي تتفتح في طريقها الخاص، فهي تكتب الشعر وتصمم الرقصات وتخرج وتمثل، وما فعلته معها أني أتحت لها الفرصة لتختار، فرصة التعلم، وأن تقرر لنفسها ما تشاء، وذلك أخذاً بقول الإمام علي: ربّوا أولادكم على غير ما درجتم عليه لأنهم مخلوقون إلى زمان غير زمانكم، لذلك حاولت أن أتركها تتفتح وتتحرر من داخلها، وأرجو أن أكون قد نجحت في ذلك. يحكي سيد حجاب عن الليل في قريته الصغيرة المطرية بمحافظة الدقهلية: ليل قريتي كان يبدأ بإنارة مصابيح الكيروسين والتحضير لجلسات السمر خارج البيوت، واستماع قرآن الثامنة وتواشيح الشيخ طه الفشني المدهشة، ثم نشرة أخبار الثامنة والنصف. ومن أبرز الشخصيات العالقة في ذاكرته من الصغر، الخالة شوق وعم محمد شناوي، فالأولى كانت صديقة والدته وتشرب معها فنجان القهوة ساعة العصاري، وتعلم منها الكثير، فحديثها كان مرصعا بالأمثال الشعبية، بالإضافة إلى نداءات الباعة وأغنياتهم وعروض الغجر في الموالد، أما عم محمد علي الشناوي، الذي كان يشبه محمد علي باشا إلى حد كبير، فكان يتجول في سوق البلد بفرسه، ويردد جملة واحدة في عصر الملكية: بكرة تبقى جمهورية واللي يطول حاجة ياخدها. وعلى صوت المسحراتي ومؤذن قريته الصغيرة، يستحضر صور طفولته التي يتلاشى معها الحاضر وصراعات اللحظة، وهنا تركته بين الماضي والحنين الذي لا يفارقه، ليكون مشاهد رمضانية خالصة من داخل قريته المطرية، فالأخيرة أطفالها لا ينامون من السحور للإفطار، فقط يجوبون الشوارع والدروب خلف تواشيح المنشدين وحكايات المسحراتي ليلاً، أما النهار فكانت ساعاته تبدأ بآيات الذكر، وتنتهي مع انتظار الأطفال حول المسجد لصوت مدفع الإفطار. أما فكرة الموت فقد وضعها في مكانها الصحيح مؤخراً، فهو يرى حضور الموت في المحيطين به أكثر، ويتمنى ألا يموت وهو فاقد القدرة على الحركة أو فاقداً رشده بالكامل، ويدرك أن الموت حقيقة، وما يخفف عنه الرعب من فكرة الموت إدراكه أنه ممتد في الآخرين بحسن عمله.

مشاركة :