سيد حجاب.. الشعر خبز البسطاء

  • 1/30/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: الخليج سيد حجاب (23 سبتمبر/أيلول 1940 25 يناير/كانون الثاني 2017) الشاعر الذي أغوته أغاني الصيادين في قرية المطرية مسقط رأسه، القريبة من بحيرة المنزلة شمال مصر، غادر أرض طفولته الأولى، إلى الأبد، وصار شاعراً كبيراً يتحدث عنه الجميع، ويشفعون حديثهم بجملة تبدأ بالفعل كان، لقد رحل الشاعر الذي قطع الرحلة من المطرية حيث مكتبة والده التراثية، التي تربت عليها ذائقته، إلى الإسكندرية ليدرس فن العمارة، ومنها إلى القاهرة لدراسة هندسة التعدين، جمهوره لم يعد أولئك الصيادون، الذين فارق الفصحى إلى العامية لأجلهم، إذ كيف يكتب قصيدة لا يستطيع هؤلاء الغلابة التواصل معها، وهكذا انتقل بسلاسة من الفصحى إلى العامية، ليصبح جمهوره على امتداد خريطة الوطن العربي. كان مقلاً في الشعر، لكنه كان مجربا عظيما، منذ أن كتب ديوانه الأول صياد وجنية، ثم توالت بعدها دواوينه: في العتمة أصوات نص الطريق اختطفته ثقافة الصورة فكتب تترات أهم الأعمال الدرامية، وأهم الأغنيات في الأفلام، ليصل صوته إلى الجميع، الشاعر الذي جاءت أولى قصائده مرثية بالفصحى، عن صبي مات أثناء إحدى المظاهرات، ملأ حياتنا بالبهجة والفرحة، لقد مر من بوابة شاعر عظيم آخر، هو صلاح جاهين، الذي كان يقدم باباً شهيراً في مجلة صباح الخير باسم شاعر جديد يعجبني، حاول حجاب قرب نهاية التسعينيات من القرن الماضي، أن يعيد التجربة ذاتها، حين اختار هذا العنوان ليقدم به شعراء واعدين في صحيفة القاهرة، لقد صدق حجاب وعد جاهين الذي نشر له أولى قصائده مصحوبة بمقدمة يقول فيها: عندما أبحث عن كلمات أقدم بها هذا الشاعر الجديد لا تلبيني إلا الكلمات العاطفية، ولذا كان هناك حب من النظرة الأولى، فقد أحببت شاعرنا، من الشطرة الأولى، اسمه سيد حجاب، تذكروا جيدا هذا الاسم فسوف يكون له شأن في حياتنا المقبلة. ومن خلال دار نشر أطلق عليها صلاح جاهين ابن عروس أصدر سيد حجاب ديوانه الأول صياد وجنية عام 1966 وظلت كلمات معلم اللغة العربية ترن في أذني الشاعر الكبير، إذ دعاه إلى التعبير عن مجتمع الصيادين، الذي ينتمي إليه، من هنا قرر الكتابة بالعامية المصرية، بعد تجارب بالفصحى، لقيت حفاوة من الناقد الدكتور محمد مندور حين أذاع بعضها في البرنامج الثاني، وأثنى عليه، كما أشاد به يوسف السباعي ونشر بعضها في مجلة الرسالة الجديدة. غادر سيد حجاب شاعر العامية المصرية الكبير حياتنا بعد صراع مع القبح، انتصر عليه بالكلمة الحلوة، المكتوبة والمرئية، لكن داءً خبيثاً داهم الرئة، استوطنها، حتى أجهز على روح الشاعر، الذي كان يخطط لمشروعات ثقافية كبرى، وقصائد تشبهه في سنوات ما بعد السبعين، فلا تزال في أدراجه قصيدة بعنوان تاتا خطى السبعين، وقد وضع فيها تجربته الإنسانية والشعرية، على نحو يعكس التطورات التي جرت في القرن العشرين، قصيدة عمرها سبع سنوات، بدأ حجاب في كتابتها وهو على مشارف السبعين، وكرّس فيها لقيم الحق والخير والجمال، التي ظل يؤمن بها طوال عمره، حتى إنه قسم قصيدته إلى ثلاثة أقسام: باب الحق، باب الخير، باب الجمال. كما كان يعمل على كتابة فيلم قائم على الجرافيك، وهو فيلم استعراضي يدور في أجواء فرعونية، كما أنه أوشك على الانتهاء من كتابة مسرحية ذات طابع فانتازي، ولم يكف عن الحلم بإعادة تمثيل ما حدث أثناء ثورة يناير، من خلال مشروع أطلق عليه اسم مسرح الشارع، لم يتوقف سيد حجاب أبدا عن الحلم، وغالباً ما تتحقق أحلام الشعراء، ففي عام 2009 أصدر الشاعر الكبير ديوانه القصيدة قبل الطوفان الجاي وبشر فيه بما حدث في 25 يناير 2011 وما أعقبها من تغييرات على مستوى العالم. على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يمكنك أن تقرأ هذا التعريف بالشاعر الكبير: يعد الشاعر سيد حجاب من أعذب الأصوات الشعرية في مصر والوطن العربي، وهو فارس رومانسي يقف في الصفوف الأولى المتقدمة للحلم الرومانسي، أشعاره تلج بنا إلى عالم البراءة وبكارة الحياة، ويدخل بنا إلى عالم الحلم الأسطوري، شعر سيد حجاب توزيع أوركسترالي متعدد الأصوات، شاعر خصب له مفرداته الخاصة والدافئة، ذات الجرس الحاد، وكأنه بذلك يريد أن يهز القلوب المتحجرة، ويحرك المشاعر الجامدة. تجاهل ذلك التعريف ثورية سيد حجاب، وهي مختلفة تماما عن كل ما له علاقة بالزعيق والمباشرة، فقد كان يتمتع بوعي جمالي كبير أنقذ قصيدته من أن تغرق في المباشرة والتقريرية، حتى إن ذلك دفع الشاعر حميدة عبدالله لأن يصدر كتابا عنه بعنوان قراءة في الوعي الجمالي عند سيد حجاب. يؤكد حميدة من خلال كتابه: أن مشروع الشاعر سيد حجاب لا ينفصل بثوريته عن وعيه الجمالي، بل ينبثق كلاهما عن الآخر، ويتأسس هذا الوعي تحديداً على سمة بارزة، هي الوضوح المجازي لا الغموض، وهذا المجاز يتسم بالكلية، لكن هذا الوضوح الذي ينأى عن السطحي، ويأنس بالفنية العالية، فأعمال سيد حجاب بهذا المفهوم، أكثر أصالة، وقد تتفوق على كثير من تعقيدات الشكل الفني المبني على مهارة لا تؤدي إلى آثار إيجابية، بقدر ما تؤدي إلى فوضى الأشكال. كانت القصيدة محرابا للجمال والتجديد والتجريب والنحت اللغوي لدى سيد حجاب، ويمكننا أن نستعيد مقدمات الأعمال الغنائية التي كتبها، حتى نقف على عمله اللغوي المبتكر فيها، وعلى هذا فقد كان يقيم في السبعينيات من القرن الماضي ندوة أسبوعية تخرج فيها جيل السبعينيات المصري: حلمي سالم، حسن طلب، رفعت سلام، جمال القصاص وغيرهم، وبما عرف عنهم من اهتمامات جمالية بالنص، خروجا عن الإطار الذي كان سائدا في قصيدة جيل الستينيات. وقد دفع حجاب مبكراً ثمن انخراطه في العمل السياسي إذ اعتقل لأشهر بعد نكسة يونيو/حزيران 1967، وبعدها غادر مصر إلى سويسرا، ومنها إلى فرنسا، ليمكث بها ثلاث سنوات، وكان ذلك في أعقاب ثورة الطلبة في 8 مايو/أيار 1968 في فرنسا، وقد شارك في ذلك الوقت في أنشطة طلابية، وانضم إلى جماعات لدعم القضية الفلسطينية، وشارك مع فرق شبابية مسرحية فرنسية، كان مندمجا في الحياة السياسية الأوروبية إلى حد ما، على مدى ثلاث سنوات قضاها بين سويسرا وفرنسا. لذا كانت ثورة يناير وما بعدها 30 يونيو شيئاً غير مسبوق في تاريخ الإنسانية، على حد تعبيره، فبجانب المطالب السياسية كانت هناك ثورة ثقافية ظهرت في ميادين التحرير، وفجرت الطاقة الابتكارية لدى الشعب المصري في اللافتات ورسم الوجوه والجرافيتي والمسرح الحر، كما أن الشعراء الذين اعتلوا المنصة كانوا إشارة إلى ميلاد ثورة ثقافية. تلك وجهة نظر سيد حجاب فيما يخص الثورة التي بشر بها، وقد تكلل هذا كله بوجوده ضمن لجنة الخمسين التي وضعت الدستور المصري الجديد، بعد ثورة 30 يونيو 2013، بل إنه هو من وضع الديباجة، التي أسهمت في صياغة بنود الدستور الذي يعكس إرادة الأمة، ويحفظ مصالحها، وتقدم رؤى مختلفة للتاريخ المصري، وصولاً إلى الثورة التي أسست لدستور قائم على الحريات، ومحقق لمطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، التي طالبت بها الثورة.

مشاركة :