الحرف يتحرر في ملتقى الشارقة للخط

  • 4/11/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تأتي المعارض الدولية الموازية لملتقى الشارقة للخط في دورته السابعة، والتي تقام في متحف الشارقة للفنون تحت عنوان للنقطة تجلياتها بمشاركة فنانين من الوطن العربي والعالم، لتثري الجانب الإبداعي والفني الذي يحفل به الملتقى ويسعى من خلاله لإيجاد مضامين مختلفة منفذة بأنواع الخطوط العربية والأجنبية المتنوعة وبخامات وأساليب فنية معاصرة، إثراء لحركة الفنون عموماً، وفن الخط خصوصاً، والعمل على تطوير مجالات استخداماته الفنية والجمالية. تشهد هذه المعارض نقلة نوعية كبيرة في التجارب التشكيلية المطروحة في الفن المعاصر، عبر التجديد والابتكار في توظيف واستخدام الوسائط والخامات التي تخدم الفكرة، من خلال رؤية الفنان وقراءته للحرف واستخداماته الفنية، والبحث الدائم عن وسائط جديدة وغير مألوفة في التعبير تبتعد بنتائجها عن المراقبة العقلية، وتتخطى الجوانب التقليدية، والعالم المادي بما يمثله من أشياء مرئية يمكن إدراكها حسياً. وقد كرس الفنانون رؤيتهم الجديدة للخط والحرف، عبر توظيف كافة البدائل الفنية والتكنولوجية من تقنيات وفلاتر وأصوات رقمية وصور متحركة ومواد أخرى، في محاولة لعكس المضامين الإنسانية، والقيم التعبيرية وإمكانية اختصار الزمان والمكان في تتابع متناغم يؤكد جوهر الأفكار المطروحة. يمثل استخدام حروف اللغة في لوحات وأعمال الفنانين التشكيليين المعاصرين مناورة أدبية لتحقيق مناخ جديد زاخر بالإمكانيات الرمزية الزخرفية في آن واحد، وهذا يضفي إلى الفن بعداً جديداً لم يتوصل إليه الفنان إلا منذ وقت قريب، إن الحروف والكلمات في اللوحات تحقق نوعاً من الحركة الذهنية المقصودة التي تضيف تداعيات حول المضمون الروحي والحضاري للغة وكلماتها. هذا المناخ هو بالضبط ما قصد إلى تحقيقه الفنانون المعاصرون في الغرب عندما استخدموا حروف الكتابة في لوحاتهم بل وعندما اتجه بعضهم إلى حروف اللغة العربية واعتبروها عنصراً تشكيلياً جديداً ومثيراً بالنسبة لجمهورهم. يعتبر الخط العربي من أهم العناصر التشكيلية، وقد شهد حديثاً إقبالاً كبيراً من قبل الفنانين حول العالم لتوظيفه كعنصر من عناصر إبداعهم الفني، يقول فاروق نواف سرحان في بحثه المعنون الاستخدامات الجمالية والفنية للحرف: لقد ظلت القيمة الحقيقية للخط كشكل وبُعد مجهولة لعصور طويلة، حتى قيض لها أن تعرف البحث الموضوعي والكشف الروحي الضمني من قبل الفنان المعاصر فمنذ أوائل القرن العشرين ظهرت مكانة الخط التعبيرية والتجريدية، مما حدا ببعض الفنانين الأوروبيين إلى استخدامه كعنصر في العمل الفني ومنهم بيكاسو، وفي النصف الثاني من القرن العشرين أخذ الفنان الأوروبي والعربي على عاتقهم ولأول مرة في التاريخ الحديث مسألة تطوير قيمة هذا العنصر وإبراز قدرته الجمالية، كما كان تأثير الاتجاهات التجريدية حافزاً للفنانين العرب على استخراج واسترجاع القيم الجمالية في الفنون الإسلامية القديمة. وهكذا نرى أن في إدخال الحرف العربي إلى الفن التشكيلي المعاصر أهدافاً متعددة، أهمها توجيه عملية الابتكار الفني نحو طابع حضاري يربط الفنان بالأسس الأصيلة التي تتميز بها حضارته ويشده إلى أرضه وإلى الطبيعة التي عاش فيها كما أن ذلك يهيئ للفنان الاستفادة من طبيعة الحرف العربي المعروف بجمال شكله ومطاوعته للتعبير والتبديل من خلال حركته الذاتية بحيث تجد الخط ينساب ضمن العمل الفني، مشكلاً استثمارات فنية أكثر حرية في التشكيل والابتكار. المتأمل للخط العربي مجرداً من معناه مفصول عن أي بعد لغوي يجده ذا قيمة تشكيلية مستقلة تعتمد على الأسس الفنية من شكل وحركة وفراغ، وفي هذا الصدد يقول الفنان السوري منير الشعراني، وهو أحد أهم الباحثين والفنانين الذين اشتغلوا على الخط والحرف ونقلوه إلى مستويات فنية جديدة: بالنسبة إليّ الخط هو فن متميز وخاص يميز الحضارة العربية الإسلامية، وهو ذو خصوصية يعترف بها علماء الجمال في العالم كما يعترفون أيضاً في مجال الخط بالتميز للخط الصيني والياباني أيضاً، ولكن كل نوع من هذه الأنواع أو كل عائلة من هذه العائلات يستند إلى أسس جمالية مغايرة.. الخط العربي يعترفون به كفن تشكيلي نظراً لكونه قابلاً للتشكيل (الحركة والمد والرجعة والاستدارة والصعود والهبوط) فهو لا يشابه الخطوط اللاتينية أو السلفية التي أخذت منها اللغات الغربية خطوطها، وهي ذات سمة خاصة لا تمكن من الرجعة والهبوط والصعود والاستدارة وبالتالي فهي ليست أكثر من خط، ليس بالضرورة أن يرقى إلى مرتبة الفنون الجميلة، الخط العربي قادر على هذا بسبب بنيته التي تمكنه من التركيب من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل ومن اليمين إلى اليسار وإمكانية الرجعة في الحروف من دون أن تختلط الحروف ببعضها، ومن دون أن تستحيل قراءته، دون أن يكون هناك خلل في الفراغات والكتلة ومن هنا أتى الاعتراف به كفن جميل أو فن تشكيلي وهو أيضاً يتميز بأنه تجريد متطور وراق وهو من أقدم التجريدات التي عرفها الفن ولكن تجريد يستطيع أن يحمل دلالة من خلال العبارة. تفتح هذه المعارض والمشاركات آفاقاً جديدة في الكشف المعرفي الذوقي عن هوية الخط العربي، ويتجلى تنوع الأساليب الخطية وكيفية توظيفها مع مدى الكم المتراكم والخبرات لدى كل فنان ومدى إطلاعه ودرايته بالخطوط والحروف وعلومها الأساسية والتطويرات التي رافقت توظيفها التشكيلي. تشكل مشاركة الفنانين إريك ومارتن ديمين المعتمدة على خلفيتهما التقنية ومعرفتهما بعلوم الكومبيوتر نموذجاً خاصاً في التعامل الفني، وتقدم أعمالهما التي تضم مزيجاً من الكلمات العربية والإنجليزية عبر استخدام منظومات رياضية مختلفة، ومواد مثل الورق المطوي والعديد من المطبوعات، رؤيتهما لقوة الخط والحروف وقدرتها على تشكيل الفن ومنحه أبعاداً جديدة من خلال الكلمات وتنظرها حيناً وتداخلها حيناً آخر ضمن أشكال هندسية مختلفة. وتتميز أعمال الفنانة البولندية ألكسندرا توبورويكز بأسلوب تجريدي تعبيري وعفوي، حيث تستخدم الورق والأكريليك ومزيجاً من الرسم والتصوير الضوئي والحروفيات المتداخلة، في إشارة إلى الضوضاء وصخب الشارع والمعلومات المشوشة التي ترافق الإنسان في المدينة، وما يخلقه هذا الصخب من معاناة نفسية وفيزيولوجية، تُخرج الإنسان من طبيعته وتجعله أقرب إلى الآلة. وتدور الأعمال الفنية التي يبدعها إيان بيرنز حول ابتكار أشكال ونظم تعطي الأفضلية للتجارب المادية والبحثية الواعية، حيث يُولّدُ عمله تميمة ضمن إيقاع وتوقيت متبدل عشوائيا، تسلسلاً شعرياً لا ينتهي لثلاث كلمات والقصد من ذلك كله هو لفت النظر إلى مفهوم الاستمرارية. أما القصد من عمله الآخر ما يمكن أن يكون، هو خلق حساسية شعرية لا متناهية من الأمل والبحث، وقد تم إخراج العناصر الخطية للأحرف في العملين بإسقاط إضاءة على الجدار عبر عدسات مكبرة وأسلاك مصابيح كهربائية. أما الفنان إيل سيد المولود في فرنسا لأب وأم تونسيين، تأتي أعماله من اجتماع عالمين وامتزاج ثقافتين لتتجلى فيها هوية جديدة، وأسلوب متميز، حيث يعتبر سيد من مؤسسي فن الكاليغرافيتي وهو مزيج من فن الخط العربي التاريخي، وفن الكتابة على الجدران الحديث، وهو يمازج بين ثقافة الشارع في باريس والتاريخ العربي ليحدث تأثيراً شعرياً. ينشئ إيل سيد سلسلة من الأعمال الفنية المرسومة والمنحوتة المستوحاة من مونولوج للشاعر أحمد أبو سنيدة الذي كان مقيماً في الشارقة خلال القرن التاسع عشر، وانعكاس كلمات الشاعر في الواقع المعاصر. ويستخدم الفنان الروسي بوكراس لامبارس الخط كوسيلة للتعبير ضمن أعماله الفنية المعاصرة، التي يمزج فيها تركيبات خطية كبيرة من حروف ورموز مستوحاة من ثقافات متعددة ومختلفة كالروسية والعربية والصينية، في محاولة لإيجاد ذلك التوازن والنقطة التي تلتقي فيها كل تلك الثقافات عبر ما أنتجته من حضارة ومعرفة وفن. ويعتمد الفنان رامين شرديل على وسائط فنية متعددة في عمله، وقد أنشأ أعماله وفق تراكمية في الاشتغال بمتوسط ألف وخمسمئة قطعة مرسومة تشكل معاً طبقات كثيرة، لتؤلف من خلال هذا التشكيل والرسم كلمات وحروفاً فردية تستوحي مفهوم العشق والحب وفق بصيرة الفنان وأدائه. ويستكشف ريو شيميزو من اليابان القوة التي تدفعنا دون وعي إلى تقسيم البيئة المحيطة بنا إلى أشياء متعددة، كما أنه مهتم بالعلاقة الغامضة التي تتأرجح بين الشيء ونقيضه. وضمن ممارسته الفنية المتنوعة بدءاً من التركيبات المحددة بالموقع، مروراً بالأحرف والنصوص، والفيديو والتصوير والظواهر الطبيعية مثل الضوء والرياح ودرجة الحرارة، حيث يأتي عمله في شكل حروف متبدلة ضمن تركيب خاص، يدعو المتلقي إلى التجوال ضمن أجواء من الإيهام وغموض الإشارات، فنجد الجدار مغطى بنصوص تم إبداعها من قبل الفنان كما تتناثر الأحرف وتسقط على الأرضية لتبرز الجانب الخفي والعشوائي للحياة. وتبرز أعمال الفنان المصري سامح إسماعيل المشغولة بالأكريليك على توال، رؤية الفنان الحديثة للحرف العربي وقد تم تنفيذ الأعمال بطريقة لصق العناصر البصرية الكولاج في معالجة تجريدية تتمحور حول علاقة النقطة بالحرف العربي مستفيداً من الشكل الهندسي للنقطة في التكوين الفني لأعماله وعلاقتها بالزخارف الهندسية الإسلامية. ويحرر فينسنت حافظ الحرف من قيوده السيميائية لصالح الرمز، فتأخذنا أعماله نحو قراءة مغايرة للنقطة، بوصفها مقياساً وإيقاعاً تتعطل عندها الثوابت والأحكام المسبقة، فالنقطة بداية كل رسم وهي النهاية أيضاً، ومن خلال تشابك الخطوط والحروف اللاتينية والعربية تتمظهر عوالم نفسية وفنية جديدة في قراءة وفهم هذه النقط والحروف. الفنانة الصينية هان زانغ تستكشف في عملها مواضيع اللغة والترجمة والمعنى والتواصل عبر الثقافات، وتطرح من خلاله أسئلة حول القضايا الإشكالية في الترجمة الأدبية والشعرية، ومنها فقدان المعنى أو عدم توافق الفهم وذاتية التفسير، وتضم قائمة المواد التي تستخدمها زانغ في أعمالها كلاً من الخشب، والخيوط والورق، والحبر والمرايا والمواد الهشة، وصحون الأرز المصنوعة من السيراميك. وفي عمل الفنان طلال الزيد تتموضع النقطة لتعبر عن المكان والزمان، من خلال تقنيات ووسائط متعددة كأسطح الخام والعجلات المطاطية والمعدن، تجتمع كلها في سلسلة من الأعمال التي تتضمن لوحات جدارية وعملاً تركيبياً، تدور كلها حول الحرف. بينما تنحى بعض الأعمال باتجاه الميل إلى الاختزال، وإعطاء المعالجات التصميمية لسطح اللوحة الفنية أهمية أولى في الرؤية البصرية التشكلية، معيدة قراءة اللوحة وفق رؤية جمالية معاصرة، تجعل منها أقرب إلى لوحات التصميم، كما هو الأمر لدى بابلو ليمان وكاميلو روهاس، ويضيف هذا الاتجاه أسلوباً جديداً في معالجة اللوحة سواء على مستوى الشكل أو الفكرة أو التقنية، في محاولة لخلق علاقة بين المنطق الجمالي للخط العربي بما يحويه من عناصر متعددة، ودلالته اللغوية، وخلق أبعاد جديدة قد تكون مختلفة أحياناً ومتقاطعة أحايين أخرى.

مشاركة :