في روضة مليئة بأجمل أنواع الزهور، تمر بلا كثير التفات، ترى جمالهن وفرح أوراقهن التي تتراقص مع الرياح ولا تلحظ تلك التي تقف على استحياء جميلة رقيقة أثقلتها الهموم وأعباء الحياة عن الفرح، كأنها باتت نصف زهرة، نصف شخص، نصف امرأة، نصف روح، منكسرة وحيدة...إنها مطلقة. منحة مجانية تحصل عليها كل امرأة سئمت حياتها مع الزوج الظالم وقررت وضع حد لجوره، وتمنح أيضاً لمن أعلن زوجها انتهاء فترة صلاحيتها لديه، وقرر استبدالها ببضاعة أشهى وأجزى، كأن المرأة لا يكفيها أن تكون الضحية الأكبر لأبغض الحلال حتى تمنح معه وصمة مجانية ترافقها في جميع أيامها وكل ساعات حياتها. بعد جرح غائر يصيبها في الصميم، وبعد أن تستجمع فتات قوتها لتقف من جديد، بعد انفراط عقد المحبة، وتبدد الأحلام، تجد نفسها محملة بوزر الطلاق، مكبلة بأثقال الخيبة محاسبة عن كل ما لم تقترف، وكأنها صارت لجميع أفراد المجتمع غريماً أو أضحت وباءً يخشى انتشاره. ابنة المجتمع هي، واحتواؤها وتضميد جرحها واجب كل أفراده، تصحيح مسار حياتها بعد اختلاط الأوراق، تجاوز تجربتها المريرة ومنحها فرصاً جديدة وآمالاً أكثر إشرقاً مهمة مطلوبة الإنجاز ولكل منا دوره فيها. مشكورة هي كل الجهود التي تمنحها رعاية ودعماً ولكنها بحاجة لمن يهتم بسعادتها، يرأف لوحدتها، يجبر أجنحتها التي تكسرت على بلاط زواج خائب، لمن يمنحها الحق في أن تسعد، لا أن تعامل كسلعة بالية يزهد فيها الرجل وتتوجس منها أخواتها النساء، وتلفها الأقاويل أينما حلت. قد تكون المطلقة في قائمة أولويات جميع المعنيين بخدمات المجتمع، ولكننا نطلب خطوة أخرى أعمق وأبعد، خطوة لا تقدم في مؤسسة ولا يشرف عليها خبراء، خدمة وجدانية تنبع من قلوب تشعر بمن حولها، تحرص على إسعادهم وتتوق إلى مداواة آلامهم، خدمة لا اسم لها ولا تفاصيل غير أنها من أفراد المجتمع إلى ابنته المنكسرة، إلى زهرة من زهوره التي بددت بعض رحيقها قسوة الأيام، وسلبناها نحن جميعاً الحق في أن تسعد شأنها في ذلك شأن جميع الزهور. أن يأخذ كل منا زمام المبادرة ويمد يده لها، هذا ما نطلبه، وهذا ما يستوجبه تلاحمنا وتعاضدنا، فلا سعادة للمجتمع وبناته وحيدات منكسرات، وألا نحملهن وزر فشل قد يهاجم الجميع وأن نرى فيهن الجانب الأجمل الذي يعد بغدٍ أكثر سعادة، هكذا تجبر الأجنحة المتكسرة.
مشاركة :