وجوه لا تنسى.. في كتاب لا ينسى!

  • 4/11/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

هذا كتاب جديد جذبنى إلى قراءته، فضلاً عن إعجابي بما يكتبه مؤلفه محمود عبدالشكور من نقد سينمائي على صفحات الصحف والمجلات، يكشف عن أنه إضافة كيفية إلى مدرسة النقد السينمائي المعاصر، فكرة الكتاب نفسه التي بدأت - كما يقول في تقديمه له - برسالة نشرها على صفحات الفيس بوك عن الممثلة المعتزلة نسرين أحدثت ردود فعل واسعة أذهلته، وقادته لكتابة مجموعة بورتريهات عن مشخصاتية مصر نشرها بعنوان وجوه لا تنسى وهو الاسم الذي يحمله الكتاب - الذي صدر عن دار الشروق بالقاهرة منذ أسابيع - أراد بها أن يذكر جمهور الفن السابع، بأسماء عدد من أبرز المشخصاتية الذين رحلوا، أو خفتت عنهم الأضواء بعد أن اعتزلوا، ولم يحظوا بما يستحقونه من اهتمام النقاد، والذين لم تغادر وجوههم أو أدوارهم التي لعبوها على شاشة السينما أو التليفزيون أو المسرح ذاكرة المتفرجين الذين قد لا يعرفون أسماءهم. اختار محمود عبدالشكور 207 من هؤلاء المشخصاتية، بعضهم من مشاهير زمانهم الذي ولى والآخرون من نصف المشهورين أو نصف المغمورين، رتب أسماءهم على حروف المعجم، فبدءوا بـ أحمد الجزيري وانتهوا بـ يوسف داود وكتب عن كل منهم صورة قلمية شديدة التركيز، بليغة العبارة، عميقة الفكرة تتراوح مساحة كل منها ما بين نصف صفحة، وصفحة ونصف من صفحات الكتاب تتضمن المعلومات الأساسية عنه، وتشير إلى أهم الأدوار التي قام بها سواء على خشبة المسرح أو شاشة السينما أو شاشة التليفزيون، وتحلل أسلوبه في أداء أدواره تحليلا منصفا يكشف عن معرفة المؤلف الواسعة بأعمالهم، وعن مناطق الجمال والمتعة في تشخيص هؤلاء المشخصاتية العظام الذين تحدوا النسيان وتقدم للقارئ درسًا في تذوق فن التشخيص. من بين هذه المجموعة الثرية من المشخصاتية لم أتوقف طويلاً أمام المشهورين باستثناء هؤلاء الذين لم يأخذوا حظهم من الشهرة والانتشار، إلا بعد أن بلغوا سن الكهولة، بينهم أحمد الجزيري الذي افتتح محمود عبدالشكور به موسوعته الفريدة، والذي لم يكن حظه على شاشة السينما بمثل حظه على خشبة المسرح الذي كان أحد أبرز نجومه في الستينات، عبر الأدوار التي لعبها في مسرحيات سعد الدين وهبة ولطفي الخولي.. ومن بينهم - كذلك - يوسف داود الذي اختتمت الموسوعة باسمه، الذي لم يلمع إلا عندما تفجرت مواهبه الكوميدية والدرامية في العقدين الأخيرين من عمره، في مسرحيات وأفلام عادل إمام، وفي أدوار قصيرة لكن لا تنسى في أفلام مثل عسل أسود وفي شقة مصر الجديدة. من بين الظواهر التي كنت أتمنى أن تتضمنها الموسوعة، ظاهرة مرحلة النضج في حياة المشخصاتية من النساء، اللواتي حققن مستوى رفيعا من التشخيص في المراحل المتقدمة من أعمارهن، بالقياس إلى أفلامهن الأولى، ومن بينهن سعاد حسني وميرفت أمين ونجلاء فتحي وشويكار وشريهان. أما الذين توقفت أمامهم طويلاً، فهم مجموعة المشخصاتية الذين قاموا بالأدوار الثانوية خلال المرحلة ما بين ثلاثينات وخمسينات القرن الماضي، والذين يكشف اختيارهم عن اهتمام صناع السينما في هذه المرحلة المبكرة من تاريخها، بعدد من التفاصيل المهمة، فمع أنها اعتمدت على النجوم البارزة، وبالذات نجوم المسرح مثل يوسف وهبي ونجيب الريحاني وأحمد علام وأمينة رزق وفاطمة رشدي ونجوم الغناء مثل أم كلثوم وعبدالوهاب ونادرة إلا أنها حرصت دائمًا على أن تسند النجم بعدد من ممثلي الأدوار الثانوية المقتدرين، جاءت بمعظمهم من المسرح، وحرص كتاب السيناريو على أن يرسموا شخصياتهم بشكل أكثر إتقانا من شخصية البطل أحيانًا، بل إن معظهم قفز فيما بعد إلى مرتبة النجوم ومن بينهم أنور وجدي وفريد شوقي وإسماعيل ياسين. أما الذين ظلوا يلعبون هذه الأدوار حتى النهاية فكان من أبرزهم فردوس محمد وعزيزة حلمي اللتان تبادلتا لعب دور الأم في عشرات الأفلام، ووداد حمدي وزينات صدقي اللتان احتكرتا القيام بدور صديقة البطلة أو خادمتها ومحمد كامل الذي تخصص في أداء دور الخادم النوبي في قصور السادة على نحو لم يستطعه غيره، واختفى بوفاته وبغياب الشخصية نفسها عن المجتمع المصري بعد ثورة يوليو وسليمان نجيب وبشارة واكيم اللذان تبادلا القيام بدور الباشا الطيب المتساهل المهندار، وهو الدور الذي تخلى عنه سليمان نجيب - وهو أحد اثنين من المشخصاتية أنعم عليهما الملك فاروق بلقب البكوية والثاني هو يوسف وهبي - في فيلم الآنسة حنفي ليلعب دور الرجل الثري الذي باع كل أملاكه، لكي يدفع رشوة للملك حتى يحصل على لقب البكوية، وبعد أيام عزل الملك عن العرش وألغيت الرتب، ولم يبق أمامه بعد أن تدهورت أحواله سوى أن يتحسر لأنه لم يأخذ إيصالاً بالمبلغ الذي دفعه، حتى يستطيع أن يسترده من أموال الملك المصادرة. ولأن هؤلاء، وغيرهم ممن حرص محمود عبدالشكور على أن يذكر الناس بما أضافوا لفن التشخيص، كانوا بعضًا من ذكريات عمري، فقد عشت لحظات ممتعة بين صفحات كتاب وجوه لا تنسى أستعيد هذه الذكريات في هذا الكتاب الذي لا ينسى.

مشاركة :