لا شك أن تراجع ايرادات النفط ألقت بظلالها على النشاط الاقتصادي السعودي، وقد ظهر ذلك التأثير جلياً في النشرة الإحصائية الشهرية لمؤسسة النقد ساما، وعبر هذه القراءة السريعة نعرض بعضاً من تلك الأرقام التي ظهرت في النشرة الإحصائية عن شهر فبراير 2016 ونقارنها مع أرقام شهر فبراير 2015 لنكشف بعضاً من التباطؤ الذي حصل في حركة الاقتصاد المحلي والذي امتد تأثيره الى الافراد. فقد تراجعت موجودات مؤسسة النقد من 2713 مليار ريال في فبراير 2015 الى 2289 مليار ريال في نهاية فبراير الماضي بنسبة تراجع بلغت 16%، وجاء تلك التراجع بسبب سحب الدولة من الاحتياطيات لتغطية عجز الموازنة، وقد شهد شهر فبراير أول تراجع لودائع العملاء حيث سجلت البنوك نمواً سلبياً يقدر بحوالي 6%، وفي المقابل ارتفع الائتمان المصرفي بحوالي 10% وقد واجهت البنوك مشكلة في منح القروض بسبب تجاوز الكثير منها نسبة 85% مقابل الودائع مما اضطرت معه مؤسسة النقد ساما الى رفع الحد الى 90% لمواجهة نقص السيولة. ومن المرجح خلال الشهرين القادمين أن تصل البنوك الى الحد الأعلى 90% مقابل الودائع، ولا نعتقد بأن ساما سترفع الحد بعد ذلك لكي لا تعرض المصارف للمخاطر الائتمانية، وقد تضطر البنوك الى الاقتراض الخارجي لكي تتمكن من منح الائتمان، ولكن ستكون تكلفة الإقراض عالية بسبب تخفيض التصنيف الائتماني للمصارف السعودية مؤخراً من قبل شركات التصنيف الائتماني، وربما تغير البنوك سياساتها الائتمانية وتتشدد في منح الائتمان والمحافظة على العملاء الأقل مخاطرة، وبالتالي تحافظ على مستويات الإقراض عند النسب النظامية والاكتفاء بائتمان قليل المخاطرة. ولعل من الأسباب التي رفعت نسبة الإقراض للحد الأعلى هو زيادة الائتمان للقطاع العام، حيث ارتفعت مطلوبات المصارف من القطاع العام في شهر فبراير 2016 حوالي 43%، مقارنة مع الشهر المماثل عام 2015. ولكي نتابع حركة السيولة خلال فترة المقارنة، ومدى تأثرها بتراجع الانفاق الحكومي قمنا بتحليل الحركة في ثلاث قنوات رئيسية الا وهي نظام سريع لتحويل الأموال بين البنوك المحلية، والسحب النقدي من أجهزة الصراف الآلي وشيكات المقاصة، وجاءت نتيجة تحليل تلك الأرقام الى تراجع المبالغ المحولة من نظام سريع بحوالي 47%، بينما تراجعت عمليات السحب من أجهزة الصراف الآلي الى حوالي 13%، وكذلك تراجعت قيم شيكات المقاصة بنسبة تقدر ب 26% وهو بلا شك مؤشر قوي على تأثر الاقتصاد المحلى بتراجع الانفاق الحكومي، حتى وصل تأثيره الى الافراد في التحفظ بعملية الصرف على الكماليات والاحتفاظ بمدخراتهم . وهنا تجدر الإشارة الى توجه الدولة الى تقليص الاعتماد على إيرادات النفط، والتوجه الى رفع الإيرادات غير النفطية لتفادي مثل هذه الازمات، ولعل حديث سمو ولي ولي العهد الى وكالة بلومبرج يكشف بعضاً من تلك الرؤى التي يعمل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لتحقيقها، مثل انشاء صندوق سيادي يعمل على استثمار موجودات الصندوق في مشروعات أو شركات ترفع نسب الإيرادات، وذكر ايضاً أن إيرادات الدولة من غير النفط قد تصل الى 100 مليار دولار ريال بحلول 2020، وان تحقق ذلك فعلياً فسيكون انجازاً يحسب لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ولكن أيضاً نحن بحاجة الى صناعات ثقيلة تقلل من كلفة الاستيراد وتؤسس لتنمية مستدامة يستفيد منها أبناء الوطن، وتخفض نسب البطالة التي لازالت مرتفعة، كما أن انشاء تشريعات جديدة للحد من التستر التجاري أصبح مطلبا في ظل زيادة سنوية في حجم مبالغ تحويل الأموال للخارج، والتي لم تتأثر بتراجع الاقتصاد بل زادت خلال العام المنصرم . *محلل مالي
مشاركة :