رأى محللون عرب وإسرائيليون أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل مسؤولية التوتر والتصعيد في الشرق الأوسط جراء دعمها غير المحدود لإسرائيل، التي تظهر كأنها دولة "فوق القانون" الدولي. بل ذهب بعض المحللين إلى التأكيد على أنه من بين أهداف واشنطن خلق صراعات بين دول الشرق الأوسط وإشعال حرائق في المنطقة لتحقيق المصالح الأمريكية والإسرائيلية. ويشهد الشرق الأوسط توترا غير مسبوق حيث شنت إيران السبت الماضي هجوما، هو الأول من نوعه، على إسرائيل بإطلاق عدد كبير من المسيرات والصواريخ باتجاه أراضيها. ويأتي الهجوم ردا على القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق مطلع أبريل الجاري، والذي أسفر عن مقتل 7 من الحرس الثوري الإيراني بينهم مسؤول الحرس في سوريا ولبنان الجنرال محمد رضا زاهدي. في الوقت نفسه، ما تزال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مستعرة دون أفق لإنهائها، على الرغم من مقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني والدمار الواسع والأزمة الإنسانية في القطاع. دعم أمريكي مشين وقال الكاتب السوري علي اليوسف إن الولايات المتحدة الأمريكية منذ العام 1973 ملتزمة التزاما كاملا بدعم وحماية إسرائيل وتسليحها وتمويلها بحيث تصبح القوة الأكبر في الشرق الأوسط، قبل أن يضيف أن واشنطن هي "الراعي الرسمي لإسرائيل". وأردف اليوسف، وهو نائب رئيس تحرير جريدة ((البعث)) السورية، لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن "من يتأمل تطورات الموقف الأمريكي من الصراع الإيراني الإسرائيلي الأخير سواء قبل الرد الإيراني أو خلاله أو بعده، ومن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، سوف يصل إلى قناعة لا تقبل الدحض وهى أن الفلسطينيين وكل من يساندهم يحاربون عمليا الولايات المتحدة". وتابع أن قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق منذ حوالي أسبوعين مخالفة كبيرة للقانون الدولي، ومع ذلك لم تشجب الولايات المتحدة الهجوم، وحينما أعلنت طهران أنها سترد على الهجوم رأينا الولايات المتحدة تتصرف كأنها إسرائيل، بل أن واشنطن أعلنت بوضوح أنها ستدافع عن إسرائيل وحركت سفنها إلى المنطقة. وأشار إلى أن البيانات الأمريكية خلال الأيام الماضية لا يمكن تمييزها عن البيانات الإسرائيلية لدرجة تجعل المراقبين عاجزين عن التفرقة بينها. ونوه اليوسف بأن التاريخ سيخلد الانحياز الأمريكي الداعم بجسر جوي وإمدادات السلاح والتمويل والغطاء السياسي لإسرائيل، رغم مرور أكثر من 100 يوم على عدوان إسرائيل على غزة. وأكد أن السقطة الأكبر لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هي الفشل في لجم وحشية الحرب الإسرائيلية ضد غزة حيث لم يمارس بايدن أي ضغط حقيقي على إسرائيل لوقف الحرب. وحمل إدارة بايدن مسؤولية الانهيار الأمني والتصعيد الإقليمي بسبب مواقف بايدن وإدارته الداعمة لإسرائيل. وشاطره الرأي الباحث اليمني سامي صالح نعمان بقوله إنه "منذ اندلاع الحرب الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة، وما أعقب ذلك من عمليات إسرائيلية في لبنان وسوريا تتطابق المواقف الأمريكية تماما مع إسرائيل، حيث لم نشهد موقفا أمريكيا واضحا يتعارض مع إسرائيل أو يدين بوضوح أي جريمة ترتكبها". وأرجع نعمان في تصريح لـ((شينخوا)) هذا الوضع إلى أن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط تدار من قبل مجموعة ضغط إسرائيلية، هي المتحكمة الرئيسية في توجيه هذه السياسة وفقا لما يخدم مصلحة إسرائيل في المقام الأول. وأضاف أنه على الرغم من قتل إسرائيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة إلا أن الولايات المتحدة قالت إنها لم تجد بعد دليلا على استهداف إسرائيل للمدنيين، وهو ما يجعل واشنطن راعية لكل ذلك العنف في ظل انحيازها الفاضح لإسرائيل. في حين، وصف الدكتور مختار غباشي الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات السياسية في مصر الدعم الأمريكي لإسرائيل بأنه مشين. وقال غباشي لـ((شينخوا)) إن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ويكفي ما رأيناه خلال الهجوم الإيراني من حشد أمريكي لدول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهذه الدول قامت بالدور الأساسي في منع وصول الكثير من الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية إلى إسرائيل. وواصل "أتصور أن من يتحمل مسؤولية الأفعال الإسرائيلية هي الولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول في ظل الدعم غير المحدود، لذلك الدور الأمريكي هو مشين وعلى العالم العربي أن يعيد صياغة علاقته مع الولايات المتحدة". بينما قال رونين برغمان محلل الشؤون الأمنية في صحيفة ((يديعوت أحرونوت)) الإسرائيلية إن دعم الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل لم يتوقف رغم الإهانات المستمرة من قبل الجانب الإسرائيلي. وأوضح برغمان لـ((شينخوا)) أن "بايدن مثل الرجل البليد، رئيس الوزراء الإسرائيلي يخالفه علنا، ومع ذلك يواصل (بايدن) بكل بساطة تقديم الدعم والحماية له". واستطرد أن معظم الصواريخ الإيرانية التي أطلقت باتجاه إسرائيل تم تدميرها بنيران أمريكية أو تلك التي تم تفعيلها بناء على طلب أمريكي، وبدون هذا الدعم الأمريكي سيكون وضع إسرائيل أسوأ بكثير. رد إيراني واعتبر سفير إيران لدى تونس مير مسعود حسينيان اليوم (الاثنين) أن الرد الإيراني على إسرائيل حقق أهدافه، وأشار إلى أن بلاده لن تسقط في فخ جرها إلى حرب عالمية. وقال في تصريح بثته إذاعة ((موازاييك أف أم)) المحلية التونسية إن الهجوم الذي شنته بلاده على إسرائيل، كان ضمن سياسة تحذيرية بعد الاعتداءات المتكررة التي قامت بها إسرائيل ضد أهداف إيرانية في الداخل الإيراني وفي الخارج وتحديدا في سوريا. بدوره، أوضح الكاتب السوري علي اليوسف أن الاعتداءات الإسرائيلية على المصالح الإيرانية في سوريا ولبنان محاولة من حكومة بنيامين نتنياهو لاستدراج المشهد الإقليمي لمزيد من المواجهة والعنف للبقاء في السلطة حتى لو عرضت المنطقة للخطر خاصة أنها تعلم تداعيات المواجهة مع طهران إقليميا ودوليا. وأضاف اليوسف، أن حكومة نتنياهو تعتقد أن توسيع نطاق العنف في الشرق الأوسط واستمرار الحرب في غزة لأشهر قادمة وصولا لمرحلة الانتخابات الأمريكية سيمكنها من البقاء في الحكم وتفويت محاسبة الحكومة داخليا، وهو ما استدعى قصف القنصلية الإيرانية وبالتالي دفع إيران إلى الرد حفاظا على سمعتها الإقليمية ومواجهة الرأي العام الداخلي. وتابع أن الحروب في الشرق الأوسط لا تبقى داخل حدود دولة واحدة، وأظهرت الأيام الماضية مدى قرب المنطقة من حافة الهاوية بسبب اغتيال إسرائيل لرضي موسوي القائد الإيراني الأعلى في سوريا وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في لبنان وغيرهم. من جانبه، رأى الدكتور إبراهيم سعيد الأستاذ بجامعة دمشق أن الرد الإيراني على إسرائيل "أمر طبيعي". وقال سعيد، وهو رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة، لـ((شينخوا)) إن الاستهدافات المتكررة من قبل إسرائيل للمصالح الإيرانية دفع إيران للرد، وهذا حقها، لأن هذه الاستهدافات تمثل ضغطا على إيران. بينما قال الدكتور مختار غباشي إن الانتهاكات الإسرائيلية للمصالح الإيرانية في العراق وسوريا متكررة لكن "ما قبل الهجوم الإيراني شيء وما بعده شيء آخر". واعتبر أن إيران خلقت من خلال الهجوم على إسرائيل معادلة جديدة حيث أصبحت المواجهة بين البلدين مباشرة لأول مرة، والتأثير الجيوسياسي لهذا الأمر على المدى البعيد خطير، وإسرائيل بالتأكيد سوف تعيد حسابات كثيرا. تحذيرات من توسيع نطاق الصراع وحذر الباحث اليمني سامي صالح نعمان من أن دعم واشنطن المطلق لإسرائيل مقابل التغاضي عن مصالح الدول الأخرى قد يقود إلى توسع الصراع وجر الشرق الأوسط إلى الهاوية، بالإضافة إلى إضعاف وربما فقدان مكانة أمريكا في المنطقة. وقال نعمان، في تصريح لـ((شينخوا))، إن الدور الأمريكي الحالي يسهم في تعزيز الصراع في المنطقة وإدخالها في دوامة صراع قد يفجر حربا إقليمية، مشيرا إلى أن انحياز واشنطن المطلق والأعمى لإسرائيل وتشجيعها في هجماتها على الفلسطينيين وإيران يذكي جذوة حرب قد تنفجر في أي لحظة. وتابع أن واشنطن تزعم محاربة إيران وتدعم إسرائيل ضدها لكنها في المحصلة تذكي الصراع في المنطقة وتقوي أذرع إيران فيها. بينما رأى الخبير السوري الدكتور إبراهيم سعيد أنه من أهداف أمريكا خلق "حالة من التوتر وصراعات" بين الدول في الشرق الأوسط. وقال سعيد إن أمريكا منذ وجودها في المنطقة وهي تعمل على إشعال الحرائق بين الدول ثم تحاول أن تقحم نفسها في إيجاد الحلول المؤقتة. وتابع أن ما فعلته واشنطن في العراق نموذج لذلك، وما فعلته في سوريا أيضا، وهي مازالت تحتل جزءا من الأراضي السورية.
مشاركة :