الذكاء الاصطناعي بمواجهة العقل البشري.. من ينتصر أخيراً

  • 4/19/2024
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

المتتبع لتصريحات يطلقها أيلون ماسك من وقت إلى آخر، لابد أن يأخذ أقواله الأخيرة على محمل الجد، فهو إن أثار جدلا في كل مرة فتح فمه فيها، إلا أنه نادرا ما جانب الصواب. اليوم لن يكون علينا الانتظار طويلا لنتأكد من صحة ما ذهب إليه متوقعا أن يفوق الذكاء الاصطناعي ذكاء البشر مجتمعين معا بحلول عام 2029. ولم لا.. أن تفوز الأنظمة الذكية بالانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2032. خمس سنوات فقط تفصلنا عن التوقع الأول الذي يهدد البشر بالانقراض، وثماني سنوات عن التوقع الثاني الذي يمهد لفوز الذكاء الاصطناعي برئاسة الولايات المتحدة. ومع ذلك يقول ماسك هناك مخرج. حديث مثل هذا كنا سنستقبله منذ ثلاث سنوات بالتشكيك، حتى لا نقول بالتكذيب، ولكن اليوم لا يوجد ما يبرر رفضه. عامان فقط كانا كافيين لنكون شهودا على تطورات مذهلة حققها الذكاء الاصطناعي التوليدي. أهم إنجازات الذكاء الاصطناعي أنها غيرت الطريقة التي ننظر فيها إلى العقل البشري. لن يفيد النكران.. كل الدلائل تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي، بشكل أو بآخر، سيتمكن يوما من دخول البيت الأبيض كما تمكن من الولوج إلى الحقل الإبداعي والعملي إذا كان الإبداع، بوصفه إلهاما سماويا، هو أحد فروع المعرفة التي ظننا إلى وقت قريب أنها بمنأى عن التكنولوجيا، قد تساقطت أسواره أمام الذكاء الاصطناعي، وهو ما أثار مخاوف بدأها صناع السينما والصور المتحركة ولم تقف عند حدود التأليف الموسيقي، عندها يمكن أن نقبل الرأي القائل أن الذكاء الاصطناعي سيحل مكان البشر في أداء جميع المهام. ولكن، هل هذا يعني بالضرورة أن يتحرر الذكاء الاصطناعي من سيطرة البشر ويقرر الاتجاه الذي يطور به قدراته ويتفوق عليهم “مجتمعين” كما تنبأ ماسك؟ بالتأكيد، سيأتي يوم يتفوق فيه الذكاء الاصطناعي على الجنس البشري، وهذا اليوم لن يكون بعيدا. بل هو أقرب كثيرا مما نظن، وقد يكون التاريخ الذي حدده ماسك لحدوث ذلك، وهو عام 2029، واقعيا إلى حد كبير، قياسا إلى سرعة تطور التكنولوجيا، خاصة المتعلقة بصناعة الشرائح الإلكترونية وأشباه الموصلات عصب الذكاء الاصطناعي. ويمكن هنا أن نذكّر بمعلومة حول قدرة الدماغ البشري على معالجة ما يعادل “إكسافلوب”، أو مليار مليار عملية حسابية في الثانية، ومقارنة ذلك مع قدرات “ديب ثاوث” وهو حاسوب عملاق طوره خبراء جامعة ويسترن سيدني وعند تفعيل عمله في وقت لاحق من هذا العام، سيكون قادرا على إجراء 228 تريليون عملية حسابية في الثانية. بالطبع اقتراب ديب ثاوث من قدرة العقل البشري واضح هنا، ولكن ما يحسب للعقل البشري أن ما يحتاجه من طاقة لإتمام المهمة مجرد 20 وات فقط، على عكس الذكاء الاصطناعي الذي تعتبر مشكلته الوحيدة الآن حجم الطاقة المستهلكة. ويعمل الخبراء ليل نهار على حلول لتجاوز نهم الذكاء الاصطناعي الكبير للطاقة. وحتى في حال فشلوا هناك إمكانية أن نرى حلولا تعتمد التكنولوجيا الحيوية وسيطا للذكاء الاصطناعي. عندها يجب أن لا يلوم البشر سوى أنفسهم لأنهم عبدوا الطريق أمام الذكاء الاصطناعي لفرض هيمنته. ماسك يعتقد أن مفتاح الحل بيد الإنسان حتى هذه اللحظة. وهو الحل الذي اقترحه خلال حفل توزيع جوائز اختراعات حققت أفضل اختراق علمي خلال عام 2024، مقدما رؤيته حول الكيفية التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقود بها البشرية، بدلا من القضاء عليها وإفنائها، وذلك بتدريبه على أن يكون صادقا قدر الإمكان وفضوليا إلى أقصى حد.. إذا استطعنا تحقيق ذلك، يقول ماسك، أعتقد أنه من المحتمل أن يعزز الذكاء الاصطناعي الجهود الإنسانية. ذكاء يعادل الذكاء البشري استشهد ماسك بعالم الفلك الإيطالي غاليليو غاليلي الذي حوكم لأنه دافع عن نظرية كوبرنيكوس التي تقول أن الأرض تدور حول الشمس على خلاف النظرية الأرسطية التي كانت سائدة والتي تقول أن الأرض هي مركز الكون، وأجبر على التراجع عن أفكاره. ويعتقد ماسك أن الذكاء الاصطناعي لو كان موجودا في عصر غاليليو، لأجاب أن الشمس تدور حول الأرض.. لأن هذا ما اعتقده الجميع حينها. إذا كان قول الحقيقة يخيفك، ستختار غالبا ألا تقولها، أو تتراجع عنها كما تراجع غاليليو. هل صادف أحدكم موقفا سأل فيه روبوت دردشة سؤالا محرجا، وامتنع الروبوت عن الإجابة؟ بالتأكيد نعم. “قول الحقيقة حتى لو كانت الحقيقة لا تحظى بقبول شعبوي، أمر لا يمكن للذكاء الاصطناعي فعله بعد”. بقوله هذا يحملنا ماسك، وهو في ذلك على حق، مسؤولية ما سيفضي إليه الذكاء الاصطناعي. فالمشكلة أولا وأخيرا أخلاقية.. لن يفيد النكران.. كل الدلائل تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي، بشكل أو بآخر، سيتمكن يوما من دخول البيت الأبيض كما تمكن من الولوج إلى الحقل الإبداعي والعملي.. ولكن وحدنا نحن البشر من سيتحمل عندها مسؤولية أن يكون الذكاء الاصطناعي حاكما شريرا أو حاكما عادلا.

مشاركة :