“تزخر الساحة الثقافية والعلمية بمدونات في السير الذاتية، والتراجم، وهي مسرد وراصد لحركة تلك الذوات والشخصيات التي صنعت المجد والنجاح في حياتها العملية والعلمية بتوفيق من الله، وهذه المدونات يتحقق بها كشف للتأريخ وخبايا زواياه، التي يستكشفها ويتلذذ بها المهتم والمختص، وغالب تلك التراجم وكتب السير الذاتية تنقل الحقيقة من نافذة صغيرة لا تأسرها المجاملات ولا الاصطفاف والتحيز المقيت، بل تجد في ثناياها الفوائد والنكات واللطائف، والوصف العابر والعميق أحياناً لأحداث المجتمعات التي عاشها من تُرجم له أو من كتب سيرته بنفسه، وأحسب أن من ذلك ما خطه بنان أخي الفاضل المحامي الدكتور محمد بن عبدالله المشوح – وفقه الله – عن العلامة الرحالة الأديب والأريب معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي- رحمه الله- في كتابه الذي وسمه بـ(العبودي كما عرفته)”، هذا ما كتبه معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بم حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار والمستشار بالديوان الملكي، في تقديمه لكتاب “العبودي كما عرفته “للدكتور محمد المشوح، كما أن الشيخ ابن حميد لخص تقديمه للكتاب في وقفتين: الأولى: عن المترجَم له العلامة معالي الشيخ محمد العبودي - رحمه الله- والذي وصف تكوين معاليه المنهجي في العلم والمعرفة على ثلاثة ركائز: 1- نهم المعرفة وطلب العلم وهذا النهم امتاز به الشيخ في مسيرته العلمية من نعومة أظفاره في ميدان العلم والتحصيل، ولمعاليه ثلاث وسائل إليها: السؤال والحفظ، والكتابة. 2- نهم بث العلم ونشره، وهذه الركيزة ظاهرة في مخرجاته العلمية من الموسوعات، والمعاجم. 3- فقه العلاقات، من عرف الشيخ وخريطة علاقاته يلمس الذكاء الاجتماعي الذي كان يتحرك به معاليه، فمنذ صغره هو يحسن انتقاء المعارف، ويسبر أفضل المجالس وأنفع من يجالس الوقفة الثانية: مع المترجِم أخي النبيل الأستاذ المحامي الدكتور محمد بن عبدالله المشوح – وفقه الله – كاتب هذا السفر، وأحسب أن الله استعمل الدكتور محمد - وفقه الله- تلميذ معالي الشيخ محمد العبودي لنشر علوم معاليه والعناية بها والسعي في بثها ونشرها. ثم يصف الشيخ ابن حميد في مقدمته للكتاب “ثلوثية المشوح” بأنها امتداد للمجالس الأدبية، والصالونات الثقافية، التي حفل بها الأدب العربي والإسلامي في كافة الميادين، ثم يختم مقدمته الأثيرة، بوصف لمكتبة التراثية بأنها “عرّابة” النشر التاريخي والتوثيقي للسير والمسيرة للرجال والدول، والأحداث في الجزيرة العربية وغيرها. المؤلف يذكر أنه بدأ هذا الكتاب في حياة معالي شيخه محمد العبودي - رحمه الله - فقد كان يستحثه على الكتابة والتدوين جرياً على عادته في تدوين وكتابة مشاهداته ويومياته، وفعلاً أخذ بهذه النصيحة الثمينة في حياته، كما سمعت ذلك منه في محاضرته في “سبتية الجريفة الثقافية” والتي كانت بعنوان: “التدوين والمذكرات اليومية” والتي أدارها الدكتور خالد العثمان في شهر شعبان الماضي، لكن د. المشوح لم يتصور أبداً أن تلك “اليوميات” التي دونها أسوة بشيخه معالي الشيخ العبودي ستكون ذات أهمية كبيرة في الترجمة للشيخ الفقيد العبودي – رحمه الله -، خاصة أن بعضها مضى عليه خمسون سنة أو تزيد، ورغم ذلك فقد ندم على عدم تدوين الكثير من المجالس معه - رحمه الله - حضراً أو سفراً وفوائد لا حصر لها وأخبار ولطائف ومعلومات، والحديث ما زال للمؤلف: مع أن الله يسَّر لي توثيق وتدوين وتسجيل العديد والكثير مما كان بيننا في السفر والحضر، وما استدعته الذاكرة كذلك، وهو واقع بين دفتي هذا الكتاب الذي أقدمه وفاءً وحباً وتقديراً لشيخنا - رحمه الله - وماله من فضل ومكانة عندي وفي قلبي وعقلي وفكري شخصياً. وعن سبب تسمية الكتاب، يقول المؤلف: “.. ولقد اخترت لهذا الكتاب اسماً وعنواناً دوّنه هو في مرويات وفائه مع شيوخه وهي سلسلة” “كما عرفته”، فآثرت أن يكون العنوان عنوانه، والاسم اسمه “الشيخ محمد العبودي كما عرفته” الكتاب ضم المحتويات: التلمذة والقربى، اللقاء الأول وزيارة الرابطة، صفاته وسماته، تعامله مع الخلافات التي تقع حول كتبه، محبته للشعر، برنامج المسلمون في العالم، في موكب الدعوة، معاجم الأسر، كتب الرحلات، يوميات نجدي، الشيخ محمد العبودي والجوائز، ثلوثية محمد المشوح تكرّم الشيخ محمد العبودي، تكريم جمعية اللهجات والتراث الشعبي، تكريم الجمعية الفقهية، تكريم قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، لقاء نادي القصيم لقاء مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، مجلس أمناء مركز حمد الجاسر، لقاء الغرفة التجارية بالقصيم، مركز الشيخ محمد العبودي، رحلاتي معه، علاقته بالعلماء ومحبتهم له، الكتب والرسائل العلمية التي صدرت وكتبت عنه، الوداع والرحلة الأخيرة، ملحق الصور وفهرس الأعلام والبلدان والأماكن. ختاماً ذكرني كتاب “العبودي كما عرفته” بنهج السلف الصالح في ترجمة علماء الأمة وتخليد مسيرتهم لتبقى نبراساً تهتدي به الأجيال، إن هذا الكتاب يصدق عليه قولنا: وفاء الكبار للكبار!
مشاركة :