في اعقاب نشر "الرياض" توجهات شركتي أرامكو السعودية وسابك للدخول في معترك تنافسي لتنويع استغلال ثروة النفط من مجرد تصديره كخام إضافة إلى استخدامه في قطاع التكرير إلى مرحلة أكثر أهمية استراتيجية واقتصادية تكمن في دراسة إمكانية استغلاله مباشرة في الصناعات البتروكيماوية، وسعي الشركتين حالياً لإقامة مشروعات بتروكيماوية ضخمة تعتمد على استخدام النفط لقيماً في صناعة البتروكيماويات وفق تأكيدات الرئيسين التنفيذيين للشركتين ل"الرياض"، تناقلت الصحافة العالمية هذا الطرح بمزيد من الأهمية وفتحت النقاش لاحتمالية دخول الشركتين في تحالف لإقامة مصفاة مشتركة لإنتاج المنتجات الكيماوية مباشرة من النفط الخام. وفي متابعة لتطورات الأمر قال عبدالله بن صالح الحقباني الأمين العام للجنة مصنعي البتروكيماويات في مجلس الغرف السعودية في حديث ل"الرياض" لقد حملت الأنباء مؤخراً أخبارا طيبة ومشجعة على التفاؤل بمستقبل اقتصادي أفضل لبلادنا، وفيما كانت أبصارنا ترنو نحو "مخلص أجنبي"، أو تحالفات مع جهات خارجية باعتبار أن شركات ما وراء البحار لديها ما يمكننا الافادة منها لتعزيز مصالحنا، جاء الرد من الداخل. ويبدو أن الوقت قد حان للرهان على قدراتنا وامكاناتنا الذاتية في قطاع الكيماويات لتنويع الدخل وبخاصة في ظل ما اكتسبناه من خبرات "عالمية "ورصيد هائل من المعرفة والخبرة. متابعة عالمية لتوجه شركتي أرامكو وسابك لدراسة خطة بناء مصفاة للمنتجات الكيماوية من النفط في ينبع وأضاف بأنه وفقا لما طرح إعلامياً على المستوى العالمي، تعكف شركتا "أرامكو" و"سابك" على دراسة خطة لبناء مصفاة مشتركة لإنتاج المنتجات الكيماوية مباشرة من النفط الخام في ينبع. يحدث هذا وفقاً لما طرح بتشجيع من الدولة لإنجاز هذا المشروع وغيرها من المشروعات المشتركة التي تعزز القيمة المضافة لمواردنا النفطية. وتأتي هذه الأخبار المحفزة في وقت يكثر فيه الحديث داخل أروقة الفعاليات الاقتصادية وغيرها حول ضرورة تسريع وتيرة "التنويع" لاقتصادنا الوطني، وهو هدف قديم يعتقد أننا تعثرنا فيه ولم يستكمل حتى الآن على النحو المطلوب. ويشدد المشفقون على مستقبل البلاد على حتمية التحول من اقتصاد يمثل النفط فيه نحو 90% من الدخل إلى اقتصاد متنوع المصادر ومتوازن، فضلاً عن ضرورة رسم خارطة طريق تأخذ المملكة بعيدا عن تداعيات التأرجحات الحادة لأسعار النفط. ومضى يقول: "بالنسبة لنا كعاملين في قطاع البتروكيماويات السعودي، ندرك جيداً حجم وحقيقة ما يتوفر لدينا من طاقات بشرية، ومدى قدرتها على إطلاق وادارة مثل هذه المشروعات التي تنفذها شركتا أرامكو وسابك، كما نعرف القيمة المضافة التي يمكن للاقتصاد الوطني أن يجنيها من خلال الانتقال من تسويق النفط الخام إلى تحويل ذلك إلى منتجات كيماوية وبتروكيماوية". وأوضح بأن "سابك" من جانبها، كانت قد أعلنت في مايو 2014، عن استكمال خطة لتطوير قدرة مجمعها الصناعي للقيام بتحويل النفط إلى كيماويات، والذي يعد الأول من نوعه في العالم. وهذا المجمع يضم وحدات تشغيل مبتكرة تمكنه من تحقيق أكبر ناتج في العالم لعملية تحويل النفط إلى مواد كيميائية. ووفقاً لوزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي، فإن المملكة تقترب لتكون إحدى أكبر خمس دول في العالم في تكرير النفط، وثاني أكبر دولة مصدرة للمنتجات النفطية المكررة بعد الولايات المتحدة، مع استمرارها كأول دولة مصدرة للنفط الخام في العالم. وتعكف المملكة حالياً كما أشار النعيمي على إنشاء ثلاث مصاف نفطية ضخمة في شرق وغرب وجنوب المملكة، منها مصفاة جازان، وتصل الطاقة التكريرية لهذه المصافي إلى 1.2 مليون برميل نفط يومياً، ومع انتهاء هذه المشروعات ستصل الطاقة التكريرية للمملكة إلى أكثر من 3 ملايين برميل يومياً، لتصبح المملكة من اهم الدول تكريرا للبترول في العالم. وأشار إلى أن تناغم كل ما يحدث، مع ما هو مطلوب باتجاه الحد من تصدير النفط الخام وتحويل غالبه إلى صناعات نفطية كيماوية أو بتروكيماوية، لأننا بذلك نحقق قيمة مضافة لمنتجاتنا النفطية من جهة، ونحد من تداعيات التأرجحات الحادة في الأسواق النفطية على واقعنا المحلي والتي تحدث في الغالب لأسباب تتعلق بالمضاربات في الخام من ناحية أخرى. وبالتالي سيكون لدينا اقتصاد أكثر استقراراً، لأن هذه الصناعات التحويلية القائمة على مواد خام أولية ستعطي لصناعتنا مزايا تنافسية في الأسواق وبالتالي تضع الأرضية المناسبة لتعزيز قدراتنا لتنويع مصادر الدخل. فلو نظرنا إلى المتغيرات من حولنا سنلاحظ أن أسواق النفط تتغير بسرعة على صعيد العرض والطلب، ولن يكون مفاجئاً للمراقب في ضوء تلك التحولات المتسارعة انتقال كبار المستوردين الحاليين للنفط وعلى رأسهم الولايات المتحدة والصين في وقت وجيز إلى مصاف الدول المصدرة للنفط والغاز في العالم. ولذلك يعتبر التحول من تصدير النفط الخام إلى التصنيع خطوة استراتيجية مهمة جدا للاقتصاد السعودي. وأضاف بقوله "لدينا العديد من المعطيات المحفزة لتعزيز قطاع البتروكيماويات وتطويره، ويكفي لذلك على سبيل المثال الاشارة إلى توفيره لنحو (200) ألف وظيفة بطريقة مباشرة وغير مباشرة بنسبة سعودة تقدر بحوالي (77%) وهي الأعلى بين القطاعات الصناعية الأخرى. ولقطاع البتروكيماويات الذي يعد إحدى الدعامات الأساسية المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني مزايا عديدة ما يهمنا منه في هذا المقام كونه الأكثر جاهزية لتنويع مصادر الاقتصاد الوطني، وجذب استثمارات أجنبية ضخمة للبلاد". وأكد الحقباني بان قطاع الكيماويات الواعد جدير بالمراهنة عليه لتحقيق تطلعاتنا الاستراتيجية، لكن يتطلب ذلك منا دعم الشركات التي استثمرت فيها الدولة أموالاً طائلة لتصبح من بين أكبر الصروح الاقتصادية في العالم، ويتطلب منا ذلك مساعدتها لكي تتمكن من تبني المبادرات البحثية الاقتصادية والاستراتيجية. وعلينا إطلاق العنان لها للانخراط أكثر وأكثر في عمليات واسعة لتصنيع البترول وتحويله إلى كيماويات ومنتجات استهلاكية نهائية تلبي احتياجات كافة الأسواق. كما ان هذه التوجهات المهمة التي اعلنت عنها كل من سابك وأرامكو تحتاج إلى المؤازرة والدعم بقوة، لذا نأمل أن تكون وزارتا البترول والثروه المعدنية ووزارة التجارة والصناعة ملاذاً آمناً يحتضن هذه الجهود الصناعية الكبيرة لعملاقي النفط والبتروكيماويات، حتى تكون صناعاتها البديل الأفضل للنفط وحتى تتمكن الدولة من توفير احتياجاتها من العملات الأجنبية من صادراتها من المنتجات. ويتضح من كل ذلك ان السعودية على مرمى حجر وقريبة جداً من الانتقال إلى مصاف الدول الصناعية وربما تكون قد خطت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.. ولذلك نقول إنه زمن "الكيماويات" لو شئنا.
مشاركة :