أحببت الصحراء في كتب الرحالة، وغبطتهم على ما يكتبون، لكنني عندما ذهبت إليها، شعرت بخوف من النوع الذي لم أعرفه في الجو، أو في البحار والمحيط، أو في غابة نيروبي. وعرفت على مداخل الهفوف، وأنا أرى الدنيا كلها تتحول إلى رمال حمراء بلا نهاية أو أفق، ماذا عنى لورانس العرب عندما قال إنه ليس للبدوي في الصحراء رفيق سوى الله، ورحمته. عدت أخيرًا إلى قراءة كل ما قرأته من قبل عن رحلات الغربيين إلى الصحراء، واكتشفت أن ما قرأته – وما كتبته – في هذا الموضوع كان سريعًا، وأن أولئك الذين جاءوا من لندن ليعبروا الصحراء لم يكونوا يقومون برحلة عادية على الإطلاق. وإذا كانوا قد عادوا أحياء من رحلة كعبور «الربع الخالي»، فإن حصادهم الأهم لم يكن بطولة التحمل، مثل سكان الصحراء المترحلين، في قيظها وتيهها وكثبانها المتنقلة مع الريح، وإنما الكنوز الأدبية التي تركوها لنا، في صيغة مذكرات، أو دراميات، يصعب على أهل المدن تخيلها. ولم يكن أحد يتخيل إمكانية عبور الربع الخالي برًا. بل إن لورانس العرب قد كتب عام 1929 إلى قائد السلاح الجوي البريطاني مقترحًا أن تنحرف طائرة «R.100» عن طريقها العادي إلى الهند كي تمر فوق الربع الخالي «لأنه سوف يكون لنا في ذلك دعاية عظيمة، وبداية عهد استكشاف عظيم أيضًا. ولن يقدر شيء غير الطيران على القيام بذلك، وأنا أريد أن يكون طيراننا هو السبّاق في هذا المضمار». لكن بعد عام واحد، كان البريطاني برترام توماس يقطع الربع من الجنوب إلى الشمال. وبعده بأشهر، عبره البريطاني الثالث جون فيلبي من الشمال إلى الجنوب. ثم تمكن البريطاني المذهل ولفرد ثيسيغر من القيام بالرحلة ثلاث مرات، بعد مرور 15 عامًا، ودوَّن تجاربه في مؤلف سمّاه «رمال العرب»، أو بالأحرى «رمال عربية». إلى هذا الكتاب سوف نعود مرة أخرى لأنه ملحمة الرحلات الغربية إلى الربع الخالي: «عشت مع البدو حياة قاسية بالغة الخشونة، كنت خلالها أعاني دومًا من الجوع والعطش، وكان رفاقي من البدو قد اعتادوا على هذه الحياة منذ ولادتهم، أما أنا فأنهكني السير الطويل عبر الكثبان وبين السهول، وذقت الجوع والعطش والحر والبرد والخوف من الفرق المهاجمة».
مشاركة :