تحسّن الاقتصاد العالمي في آذار (مارس) الماضي، بفضل التعافي القوي الذي شهدته الأسواق الناشئة، وفقاً لأرقام صدرت أخيراً عن مؤشر مديري المشتريات «بي أم آي». وهذا المؤشر قائم على أساس استبيان شهري لآراء الشركات التي تريد زيادة إنتاجها وطلباتها ومخزونها وأسعارها أو تقليصها. ويشير مستوى 50 إلى أن عدد الشركات التي تنوي رفع مستوى نشاطها التجاري يساوي تلك التي تريد خفضه. أما إذا زاد المستوى عن 50، فذلك يعني أن الشركات التي أفادت بأن هناك تحسناً في النشاط، والذي يدل عادةً على توسّع في النشاط الاقتصادي، هي أكثر من الشركات التي انكمش نشاطها. وأشار الخبير الاقتصادي في شركة «آسيا للاستثمار» كميل عقاد، في تقرير، إلى أن «المؤشر يعطي فكرة جيدة عن الوضع الاقتصادي، ويوفر معلومات قيمة عن التصنيع والخدمات، وهو متوافر لكل الاقتصادات الرئيسة». وكان المؤشر المجمّع للاقتصاد العالمي هبط إلى 50 في شباط (فبراير) الماضي، وهو أدنى مستوياته منذ نحو 3 سنوات، لكنه عاد الى التعافي في آذار (مارس)، حيث وصل إلى 50.5 بفضل الأسواق الناشئة، التي ارتفع مؤشرها من 48.8 إلى 50.1، وهو أعلى مستوياته في سنة. ولفت إلى أن «الاقتصادات المتطورة بقيت على حالها من دون تغيير عند مستوى 51، ما يؤكد التحسّن في الأسواق الناشئة بعد بداية صعبة مطلع العام الحالي. ففي الأسابيع الأخيرة، ارتفعت الأسعار في معظم فئات الأصول، مثل الأسهم والسندات والسلع وعملات الأسواق الناشئة». وأضاف: «ساهم عاملان رئيسان في التعافي الذي شهدته الأسواق العالمية، الأول ارتفاع السيولة على مستوى العالم مع تخفيف المصارف المركزية سياساتها النقدية على نحو إضافي، لا سيما في منطقة اليورو واليابان، كما خفّض مجلس الاحتياط الفيديرالي عدد زيادات معدل الفائدة التي يتوقع تنفيذها خلال العام الحالي». وتمثل العامل الثاني في «التفاؤل بالتوصل إلى تعاون أفضل بين كبار منتجي النفط، ما سيؤدي إلى تعافي أسعار النفط، ما خفّف من المخاوف المتعلقة باستمرار تخمة إمدادات النفط طويلاً في الأسواق». واستطاعت الأسواق الناشئة خلال آذار، التفوُّق بأدائها على الأسواق المتطورة، سواء على صعيد الاقتصاد أو السوق. وزاد عقاد: «من بين الأسواق الناشئة، كانت آسيا الأفضل أداءً، إذ سجلت الدول الآسيوية كافة زيادات في مؤشر مديري المشتريات الشهري، على رأسها إندونيسيا (+1.9)، الصين (+1.7)، وتايوان (+1.7)، كما كانت الأساسات أقوى في آسيا مقارنة بمناطق أخرى في العالم». وساعد في ارتفاع هذه الأسواق، كل من فوائض الحسابات الجارية الكبيرة المستندة إلى أنواع مختلفة من الصادرات، وانخفاض العجز المالي نسبياً، ومعدلات الدَين، واحتياطات الصرف الأجنبي الكبيرة. وتعتمد آسيا في شكل أقل من غيرها على السلع، وتعد الأخطار السياسية والمؤسسية فيها أقل كثيراً مقارنة بأسواق ناشئة أخرى. وبعيداً من نطاق آسيا، لم يكن أداء الأسواق متناسقاً كثيراً، إذ تحسَّن مؤشر المشتريات في جنوب أفريقيا بنحو 3.4 نقطة، بينما هبط المؤشر في السوقين الروسية والتركية. أما دول مجلس التعاون الخليجي، فشهدت أيضاً ارتفاعاً في مؤشر مديري المشتريات، ووصل المؤشر في السوقين الإماراتية والسعودية إلى أعلى مستوياتهما في 5 أشهر، بعدما سجلا هبوطاً منذ بدأت أسعار النفط بالتراجع منتصف عام 2014. ولفت التقرير إلى أن «التعافي في اقتصادات الأسواق الناشئة قد يكون قصير الأجل، إذ لا تزال السياسة النقدية الدافع الرئيس لتحسّن معنويات المستثمرين، لكن تأثير أي إجراء إضافي سيكون أقل». وتعدّ الركيزة الثانية التي تعتمد عليها الأسواق في تعافيها ضعيفة، فالمعنويات التي تسيطر الآن على أسواق النفط قد تتدهور إذا لم يلمس المستثمرون أي انخفاض واضح في تخمة الإمدادات النفطية، إذ عوّض النفط الإيراني من تراجع الإنتاج الأميركي، وسيكون لاتفاق تجميد الإنتاج عند مستويات مرتفعة قياسياً تأثير ضئيل أو ربما لن يكون هناك أي تأثير. وأوضح عقاد أن «الاتجاه الأخير قد ينعكس بسهولة، ما سيضر بالأسواق والاقتصادات المصدّرة للنفط، في حين يشهد تحسّن معنويات المستثمرين خلال الشهر الجاري، تضاؤلاً». وختم أن «أسعار السلع والسندات تشهد انخفاضاً خلال الشهر الجاري، بينما تتعرض أسواق الأسهم لمزيد من التقلّب، أما الاتجاهات الأخيرة فما هي إلا مؤشرات إلى أن من المبكر جداً الحديث عن تعافي الأسواق والأداء الاقتصادي، خصوصاً في البلدان الناشئة».
مشاركة :