الحياة مليئة من كل شيء، وجميلة في كل شيء، وقاسية في بعض الشيء، نتعلم منها «الصح والخطأ»، ونتذوق من خلالها الجمال والسلام والمحبة عندما ندرك المعنى من كل شيء يصادفنا في الحياة. بعضنا يسير مغمض العينين، يترك للنفس هواها لتتلاعب به الأيام، ثم يندب الحظ ويبرر عدم إيجاد الظروف المساندة له، يضيع الكثير من الوقت في العتب واللوم، فيخسر كل شيء، ويقف عاجزاً عن إدراك المعنى العميق والمؤثر في حياة الإنسان. المعنى هو ذاك الشعور العميق الذي يجعل كل منا يتذوق طعم الحياة في ضيقها واتساعها، في سلبيتها أو إيجابيتها، في الظروف القاسية أو الهبات السعيدة. نعم، لكي ندرك المعنى (أي الجوهر) من حقيقة أدوارنا لابد أن ندرك الشيء ونقيضه، ندرك الحلو والمر فيه، ندرك ما نحصل عليه وما لا نستطيع الحصول عليه. من خلال ذلك نعرف ونعي قيمة كل شيء، فنقدر الموجود وغير الموجود، أي نكون في حال من الرضا التام وحال من العمل والأمل، لا يعيق حركتنا أي شيء، طالما كانت نظرتنا عميقة جداً في الحياة. من يستطع أن يستخدم قدرة العقل والقلب معاً، لا يُطغي العقل المحدود بأمور أعمق من تفسيرها، ولا يُطغي القلب في العواطف أو المشاعر التي تعتبر أحياناً عائقاً في مسيرتنا في الحياة. الجيد الاستفادة من كل ما يمتلكه الإنسان من عقل و قلب وتفكير متوازن، والتأمل في حياتنا في فهم المعنى من كل موقف أو دور أو ردود الفعل، أو المسؤوليات التي علينا تجاه أنفسنا والآخرين القريبين من الأهل والأصدقاء والزملاء والمجتمع بأسره. والسر الغائب هو أننا نشكل وحدة كاملة. نعم، نسيج لا ينفصل عن بعضه. المعنى الحقيقي أن يعرف الفرد دوره ومسؤوليته في فهمه ووعيه ونضجه، وألا ينتظر من الآخرين أن يكونوا وصايا عليه، بل يعلم أنه المسؤول الأول عن دوره في الحياة، بأن يهذب هذه النفس ويسعى في تطورها الروحي والعقلي والاجتماعي. لو كل واحد منا بدأ يدرك هذا الدور العظيم، ولم يتأسف على ماضٍ فات، أو يسقط على سلبية الظروف والمواقف، لأصبح المجتمع نيراً وواعياً وإنسانياً، وتخلص من اللعبة القديمة التي تتكرر مشاهدها عبر الأزمنة باختلاف المجتمعات وثقافتها، لأنها كلها متشابهة في سلوكها الإنساني، ما عدا المجتمعات المتقدمة في الوعي الداخلي الحقيقي في مفهوم الإنسانية وليس المادية المصنعة والمفتعلة. عندما ندرك نحن - أفراداً - الواجبات التي علينا. معرفة الذات؛ قوتها وضعفها والعمل على تطويرها واحترامها. معرفتنا بذلك يختصر مسافات كبيرة في القدرة على التعامل مع بعضنا برقي وإنسانية بحته، أولها الاحترام والتقدير لكل فرد نصادفه نعرفه أم لا نعرفه، نتفق معه في آرائه أم لا نتفق، لكننا نحترم وجوده معنا، لأننا كما قلت نسيج واحد، كتلة واحدة وجدت على هذه الأرض، لابد أن تتعاون وتساند بعضها البعض في وحدتها الإنسانية. عدم إدراك ذلك هو من يصنع الفرقة والعداوة التي بدورها تنهش في كيانا ككل، فتعم الفوضى الإنسانية وتحل محلها قوى الشر والغضب والانتقام. لذا قبل أن نطالب الآخرين لابد أن نطالب أنفسنا أولاً في فهمها واحترامها؛ لأن من يحترم نفسه ويقدرها سيعرف كيف يتصرف ويتعامل مع الغير، سواءً في العمل أم الوظيفة، الأفراد أم الأصدقاء، أو أي شيء في الحياة. بعضنا يصل إلى مرحلة متقدمة من النضج الإنساني الفطري، فيحترم ويقدر حتى الشجر والأرض التي يسير عليها وليس فقط أفرادها. هذا هو المعنى الحقيقي في إرساء السلام والمحبة والتسامح، إن لكل شيء معنى وجوهر وهدف، غياب هذا المعنى هو ما يشعر به البعض اليوم، عندما نقول غربة الروح، أو الشعور بالانفصال عن الآخر، أو الشعور بالوحدة. كل ذلك مؤشر بأننا افتقدنا المعنى؛ جوهر التواصل والمحبة والتفاعل الحقيقي بين الأفراد، وهذا لا تغطيه الأبنية الضخمة، ولا الأرصدة المرتفعة، يغطيه شيء واحد هو جوهرنا الإنساني، الذي - للأسف - بدأ ينزف كثيراً في اختلاف الوحدة البشرية في مفهوم قديم وبسيط جداً هو قيمة الإنسان واحترامه.
مشاركة :