الأديب الأنيق أحمد حسن الزيات

  • 4/26/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أحد أكابر أدباء عصر النهضة، وأحد عظماء الأدب العربي الحديث، وهو الذي روَّج الأدب العربي الحديث في العالم العربي بمجلته: الرسالة عندما أصدرها عام 1933، هذه المجلة التي كتب فيها عمالقة الأدب واللغة، مثل: الرافعي، والعقاد، وزكي مبارك، وطه حسين، والمازني، وتوفيق الحكيم، ومصطفى عبدالرازق، وعبدالوهاب عزام، ومحمد فريد أبو حديد، والغمراوي، ومحمود شاكر، والزهاوي، والرصافي وغيرهم، وهناك أدباء شباب دعمتهم الرسالة ونشرت لهم، وتخرَّجوا فيها وأصبحوا من عمالقة الأدب واللغة، مثل: علي الطنطاوي، وأنور العطَّار، ونجيب محفوظ، وسعيد الأفغاني، ومحمد رجب البيومي، وأبو القاسم الشابي وغيرهم. هذه (الرسالة) كانت جامعةً أدبية رفعت من شأن الأدب وأعادت له جماله وروحه، وكما خرَّجت الرسالة كُتَّابا وشعراء فقد أخرجت كتبا ومؤلفات، بعد أن جمع كُتَّابها مقالاتهم التي نشروها فيها، وعلى رأس هؤلاء الرافعي في كتابه وحي القلم، والعقاد في كتابه: المقالات النادرة، والزيات في كتابه: وحي الرسالة، وطه حسين في كتابه: على هامش السيرة وغيرهم من الأدباء الذين جمعوا مقالاتهم من الرسالة ثم أصدروها في كتب. لقد فعلت الرسالة أيضًا فعلتها الجميلة في نفوس القُراء في العالم العربي، حيث سحرتهم وأدبتهم وثقفتهم وأمتعتهم بكُتابِها وأساليبها وموضوعاتها! وعندما توقفت الرسالة بعد عشرين عامًا لأسباب مادية، أُصيب العالم العربي بنكبة أدبية وثقافية واجتماعية، بل وسياسية، فقد كانت الرسالة جامعة لأدباء العرب ومثقفيه ومحبي القراءة، وبعدها قالت الدكتورة نعمات فؤاد في كتابها قمم أدبية نقلاً عن الصحفي علي أمين الذي أسس صحيفة أخبار اليوم مع شقيقه مصطفى: « إن علي أمين سافر بعد احتجاب الرسالة إلى كثير من دول الشرق وعاد بعدها ليقول: «لو أن الحكومة أغلقت سفارتها فى الشرق وأبقت على الرسالة لكان خيرًا لها وأجدى» أعود إلى الزيات الكاتب الذي درس في الأزهر، وتعلق بشيخه وشيخ الأدباء سيد المرصفي الذي خرَّج لنا: (المنفلوطي، والبشري، وطه حسين، وأحمد أمين، وزكي مبارك، ومحمد محيي الدين، والسندوبي و…) فدرس الزيات الأدب على يديه في الأزهر وفي بيته، فأحب الأدب وأحب كل شيء فيه، وكان هو ورفيقاه محمود الزناتي وطه حسين مع الشيخ المرصفي كظله، يتعلمون من أدبه وينهلون من علمه، ثم درس الزيات في الجامعة المصرية وبعدها درس القانون في فرنسا، أمَّا حياته العملية فبدأها معلمًا في المدارس الثانوية إلى أن درَّس الأدب في الجامعات وانتُدِب للتدريس في دار المعلمين في بغداد، وبعدها تفرغ لمجلة الرسالة والأدب تفرغًا كاملاً مع عضويته في مجامع اللغة العربية في القاهرة وبغداد ودمشق ، وامتازت شخصية الزيات بجاذبية طاغية، ونفس صافية، وروح رضيِّة، فهو لم ينتمِ إلى حزب، ولم يدخل في صراعات مع أحد، مع أن مجلته كانت حلبةً للمعارك الأدبية الطاحنة، والصراعات الثقافية الكبرى، وحاول زكي مبارك أن يجره إلى هذه المعارك، ولكنه لم يستطع، لأنَّ قلم الزيات قلم نبيل، قلم رزين، قلمٌ فيه رقة وطيبة لا تجرحان أحدًا ، لكن إن تطاول أحدٌ على العروبة أو الإسلام فإن قلم الزيات يتحول إلى مدفع رشاش، وله مقالات كثيرة شاهدة على هذا، بل إن كتابه: دفاع عن البلاغة، كان ردًا على تلك الدعاوى الفارغة باتهام العربية بعدم مجاراة روح العصر، والترويج للعامية، والاتّهامات الباطلة لأساليب الكتابة العربية الرفيعة، ومع أنَّ الزيات من الكُتَّاب الذين عُرِفوا بالأصالة إلا أنه جدَّد في كتابة المقالة فجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتميز أسلوبه بنمط خاص لم يقلد فيه أحدًا، واعتمد في أسلوبه على الأناقة في اختيار المفردات ذات الإيقاع الموسيقي العذب، فكانت المفردة تقابل المفردة والجملة تقابل الجملة في تناسق وسلاسة تريحان القارئ وتمتعانه في الوقت نفسه، والزيات في مقالاته يتكئ على ثروة لغوية قلَّما وجِدت عند كاتب غيره، ولذلك امتاز بالبيان المشرق الذي يشع بجماليات لغوية وأناقة بلاغية في كل سطر يكتبه، وقال بعض النقاد عنه: «إنه صاحب مدرسة كتابية امتاز بها عن غيره من الكتاب، وهو أقوى أسلوبًا من العقاد والرافعي، وطه حسين، وأوضحهم بيانًا، وأوجزهم مقالة، وأنقاهم لفظًا، يُعْنى بالكلمة المهندسة، والجملة المزدوجة، وعند الكثرة الكاثرة هو أكتب كُتَّاب عصرنا” وعندما أخذ عليه بعض النقاد التأنق في كتابة المقالة، وأنها قد تأخذ منه يومين في كتابتها، رد عليهم الدكتور زكي مبارك بقوله: «ذلك باطل يراد بها حق، فالكتابة الرفيعة، فن جميل لا ينفع معه الارتجال» وبعد أناقة الزيات -رحمه الله-، إلا أن كتاباته لا تخلو من طُرفٍ ومُلح، وهي متناثرة في مقالاته، ومنها: أنه كتب قائلاً: عندما كنت فتىً صغيرًا في قريتي أصدرت مجلةً عنوانها (الانتقاد) كتبتُ منها نسخةً واحدةً بخط بيدي، أقرؤها للمشتركين بنفسي، وكان موضوعها: مدح العمدة وذم خصومه بالمقال والقصيدة والزجل، ثم توقفت المجلة بانتقالي إلى القاهرة عند عددها الرابع، ومن طرائفه -رحمه الله- أنه كان يقرأ المقالات التي كانت ترسل إليه من أجل نشرها في مجلته بجوار نهر النيل، ها ندرون لماذا؟ لأن المقالات التي لا تعجبه يرميها فيه! رحمة الله على الزيات، وعلى ذاك الجيل العظيم الذي نافح عن لغة القرآن! ** ** - راشد بن محمد الشعلان

مشاركة :