بالأمس غادر الفانية نجم ثقافي له مكانته في الساحة الثقافية المحلية والعربية، هو الأديب الأنيق عبدالله محمد الشهيل مخلفاً وراءه إرثاً من الثقافة الأدبية والأخلاقية، إذ كان يعطي ويثري الحياة الثقافية بعطاءاته المتعددة منذ شبابه إلى آخر أيام حياته، فمنذ الستنيات من القرن الماضي وهو حاضر في المحيط الثقافي العام يكتب في الصحف، ويحاضر في الندوات، ويقدم في الأمسيات، ويداخل معلقاً متحدثاً وكاتباً، ويشرف على المنابر رئيساً وعضواً، وقدم للمكتبة المؤلفات القيمة التي تتسم حسب تخصصه بالتاريخ والتوثيق وتصحيح المعلومات وإلقاء الضوء على ما يرى أنه مفيد للثقافة الوطنية والعامة. ساهم في الصحف والمجلات كاتباً وضيفاً على ندواتها، ولم تخل معظم الصحف المحلية والمجلات من مشاركته في الكتابة فيها، فهو موهوب منذ تخرجه وربما قبله، كان هاجسه الثقافي يكبر وينمو بالدراسة والاكتساب حيث تجربته الطويلة أعطته مساحة الدائرة الكبيرة التي ملأها حتى فاضت في كتب ومقالات ومقابلات وندوات، ومشاركات إعلامية مذاعة ومتلفزة، وكلها كان يظهر فيها هذا العالم بمظهر المستنير الواعي والمستوعب للموضوع الذي يتحدث عنه وفيه؛ لأنه يعطيه حقه، فهو حاضر الذهن في المواقف المتطلبة للعجلة، ويحرص على التحضير إذا محاضراً أو متحدثاً رئيساً، كما هو حريص كل الحرص على أن تكون لغتة صافية نقية أنيقة كأناقته الشخية كتابة وتحدثاً، تسود الرصانة أفكاره التي تجيء متسلسلة مترابطة، لكونه يراجع ويعمل مبرده لكي تبدو الفكرة جلية والعبارة دالة وموصلة إلى الموضوع مباشرة دون التواء، فذوقه الرفيع وجديته فيما يذهب إليه في معالجة الموضوعات يدركها المتابع المهتم. جمعتنا حرفة الثقافة حوالى نصف قرن، فقد كان لقائي الأول به في العام 1966 م بمكتب الأستاذ محمد بن عباس "رئيس تحرير الجزيرة سابقاً" في مصلحة المياه عندما كان يرأسها الأديب الرائد عبدالله بن خميس، ومحمد يعمل مديراً لشؤون الموظفين، وكانت البداية التي استمرت تتطور مع الوقت، وقد كنت كتبت قصيدة ( أوراق من دفتر عسة ) نشرت في جريدة اليمامة في ذلك الوقت الذي كانت قصيدة التفعيلة (الشعر الحر) محل عدم القبول، ويوصم من كتبه إما بالعجز عن استيعاب الوزن أو بالشيوعي، ويهاجمه البعض على الصفحات والمجالس والمنابر، وكانت محاولة فيها شيء من المغامرة من الأستاذ محمد الشدي الذي نشر القصيدة مزودة برسم تعبيري للفنان الناشئ وقتذاك "محمد الخنيفر"، وفي اليوم التالي تلقيت رسالة بخط أخضر جميل من الأستاذ عبدالله الشهيل تحمل عبارات الإطراء والتشجيع وطلب المواصلة وعدم الالتفات لما يقال، وكان لتلك الرسالة وقعها الجميل في نفسي، إذ شجعتني وكانت الرابط الأولي لتقاطع المشاركات الثقافية والمساهمة في الكتابة بيننا واللقاءت العامة والخاصة، فهو المضياف المحب للقافية والمثقفين، ولا أنسى رسالة الأديب عبدالله نور الورقية أولاً، والشفهية ثانياً في الترحيب بتلك القصيدة التي ضمنتها ديواني الأول ( رسوم على الحائط ) 1976 م. عملت مع الراحل "أبي بدر" في مجلة اليمامة، فقد كان رئيس التحرير محمد الشدي عندما يكون في مهمة خارج الوطن يكتب لوزارة الإعلام مشعراً بأن من سيتولى الإشراف على التحرير هو عبدالله الشهيل لكونه محل الثقة، وكان عملي معه عدة مرات استفدت منه المجاملة والهدوء في مواقف، والجرأة والمجابهة في المواقف المستحقة لذلك فكانت فترة لا تنسى، وظلت العلاقة الثقافية والشخصية معه مستمرة إلى أن لقي وجه ربه، وستبقى ذكراه في نفسي وصورته في ذهني حتى اللحاق به وبرفاق سبقوا، على رأي الراحل الأديب ياسين رفاعية صاحب كتاب "رفاق سبقوا"، فوداعاً أبا بدر من كل قلوب محبيك وعارفيك فهذا مصير الجميع.
مشاركة :