أرجأ مجلس النواب اللبناني، أمس، الانتخابات البلدية لمدة عام، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، ممدداً ولاية المجالس المحلية الحالية للمرة الثالثة على التوالي خلال عامين، وذلك انطلاقاً من تعذّر إجرائها خصوصاً في جنوب البلاد. وأفادت الوكالة أن مجلس النواب الذي اجتمع برئاسة رئيسه نبيه بري، بعد اكتمال النصاب، أقرّ مقترحَ قانون تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة حتى تاريخ أقصاه 31/5/2025. وجاء في الأسباب الموجبة للتمديد أن الاستحقاق «يأتي في ظرف أمني وعسكري وسياسي معقّد» في إشارة إلى أعمال العنف في الجنوب. وكان نبيه بري قد أكد في وقت سابق أنه لا يمكن استثناء الجنوب من الانتخابات البلدية، بعد مطالبات بإجراء الاستحقاق في موعده. وقد تمّ إقرار التمديد أمس، رغم اعتراض كتل برلمانية على رأسها كتلتي «حزب القوات اللبنانية» و«حزب الكتائب» و«كتلة التجدد» وعدد من قوى التغيير ونواب مستقلين، وقد قاطعوا الجلسة، بينما أيّد مقترَحَ التمديد كلا من «حزب الله» وحلفاؤه إلى جانب «التيار الوطني الحر». وإلى ذلك فقد أدلى ساسة ومراقبون بتصريحات لـ«مركز الاتحاد للأخبار» أكدوا فيها أن لبنان يحتاج إلى الانتخابات البلدية، وفي الجنوب تحديداً أكثر من أي مكان آخر، وأنه حتى لو تعذر تقنياً إجراؤها في الجنوب فإنه يمكن إجراؤها في بقية لبنان مع تأجيلها شهرين أو أربعة شهور في الجنوب إلى أن تسمح الظروف بإجرائها هناك. واعتبر بعضهم أن تأجيل الانتخابات المحلية من شأنه أن يفاقم أزمات اللبنانيين، وأنه يمثل نكبة للعمل البلدي ولمهام السلطات المحلية، وذلك باعتبار أن هذه الأخيرة مؤهلة في ظل الأزمة الاقتصادية للعب دور يساعد الأهالي في الإنماء وتقديم الخدمات، خاصة أن 20 في المئة من المجالس الحالية أصبح منحلاً وتحت وصاية وزارة الداخلية، أما الباقي منها فمترهل ويعاني خلافاتٍ داخليةً. وقال رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، في تغريدة نشرها على منصة «إكس»، «حَرَم حزب الله وحلفاؤه والتيار الوطني الحر اللبنانيين مرة أخرى من فرصة انتخاب سلطات محلية»، مشيراً إلى أن البلديات هي السلطات الوحيدة «التي بقيت تقريباً وحدها مع الناس تحاول معالجة ما استطاعت من مشاكلهم بعد الانهيار والشغور وعدم الاستقرار». وتلعب المجالس البلدية في لبنان دوراً بارزاً في توفير الخدمات الأساسية للسكان، لكن دورها تراجع كثيراً خلال السنوات الماضية على وقع الانهيار الاقتصادي المستمر الذي يعصف بالبلاد منذ عام 2019، والذي أدى إلى تضاؤل الاعتمادات الممنوحة لهذه المجالس من أجل القيام بمهامها كما دفع العديدَ من أعضائها إلى الاستقالة. وينص القانون اللبناني على إجراء الانتخابات البلدية كل 6 سنوات، وقد انتخب اللبنانيون مجالسَهم البلدية لآخر مرة في عام 2016، لكنها تأجلت في عام 2022 لتزامنها مع الانتخابات النيابية، ثم أدت الأزمة المالية إلى تأجيلها للمرة الثانية عام 2023 نظراً لعدم توفر الاعتمادات المالية اللازمة لإجرائها. وفي العام الجاري أيضاً لن يتمكن اللبنانيون من ممارسة حقهم الديمقراطي للمرة الثالثة على التوالي، مما يعكس عمق الأزمة السياسية مع استمرار الشغور الرئاسي في البلاد. وليس تأجيل مواعيد الاستحقاقات الدستورية أمراً جديداً على الممارسة السياسية في لبنان، إذ غالباً ما يؤدي نظام التسويات والمحاصصة القائم بين القوى السياسية والطائفية إلى تأخير القرارات المهمة، وبينها تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية. ولهذا يجد لبنان نفسه في حالة فراغ رئاسي وفراغ حكومي وفراغ على مستوى السلطات المحلية، وهو فراغ ثلاثي الأبعاد مِن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له بلد على مستوى العالم.
مشاركة :