في عصرٍ نسمع فيه دويّ الذكاء الاصطناعي في كل مكان، أصبح لزامًا علينا أن نتعايش مع الحقيقة الآتية: أيما شخصٍ سيرفض التعاون مع الذكاء الاصطناعي سيتخلّف عن الجَمع، فكلٌّ منا يتعامل مع الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أو بآخر كل يوم تقريبًا، وهذه حقيقة نابعة من واقعنا المعيش. وبحسب إحصائية صدرت عام 2020، فسوق الـ "AI" من المتوقع أن ينمو بنسبة 54% كل عام، فضلاً عن أن حجم هذا السوق من المتوقع أن يصل إلى 1.85 تريليون دولار بحلول عام 2030. ولكن لحظة! ما هو الذكاء الاصطناعي بالضبط؟ وهل سيخدم البشرية أم يضرها؟ بمعنى آخر: ما هي إيجابيات وسلبيات الذكاء الاصطناعي؟ يمكننا أن نُعرّف الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (AI) بأنه مجموعة من التقنيات التي تساعد الحواسيب على أداء وظائف متعددة مثل فهم اللغات، وتحليل البيانات، وغير ذلك من المهام والقدرات التي ظننا لفترة طويلة أنها خاصة بالبشر مثل التعلم وحل المشكلات. ببساطة، يُقلّص الذكاء الاصطناعي من الفجوة بين الإنسان والآلة ويذيب الفوارق بينهما شيئًا فشيئا. من حيث القدرات؛ فالذكاء الاصطناعي يُقسَّم إلى 3 أنواع رئيسة: 1.الذكاء الاصطناعي "الضعيف" Narrow AI (Weak AI): وهو النوع الأكثر شيوعًا اليوم والقادر على أداء المهام البسيطة والمحدودة مثل التعرف على الوجه، والتعرف البصري على الحروف OCR، حتى قيادة السيارات. 2.الذكاء الاصطناعي العام General AI (Strong AI): ويتمتع بقدرات معرفية واسعة تُشبه قدرات الإنسان؛ ما يُمَكنه من أداء ومعالجة مهام غير مألوفة دون الحاجة إلى توجيهٍ بشري، وهذا ما لم نصل إليه حتى الآن، ولكن كُبرى الشركات، وعلى رأسها OpenAI، تهدف إلى الوصول إليه. 3.الذكاء الاصطناعي الخارق Superintelligent AI: وهو نوعٌ تخيلي قائمٌ على افتراضٍ مفاده أن الآلة ستفوق البشر في كل المجالات، بما فيها الإبداعية. لا شك أن العالم بعد الذكاء الاصطناعي أضحى مختلفًا عما كان قبله، ولكن تُرى للأفضل أم للأسوأ؟ الجواب مُعقد قليلًا ويختلف من شخصٍ لآخر، فالبعض يرى أن الآلة قد سهلت من الحياة كثيرًا ويمكن الاعتماد عليها في شتى المجالات، في حين أن العديد من الأمريكيين مثلًا، وبحسب استفتاء أجرته Forbes، ما زالوا يثقون في البشر أكثر من الذكاء الاصطناعي، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بالإبداع أو الأخلاق، فضلا عن أن عددًا كبيرًا من الأشخاص ضد فكرة الذكاء الاصطناعي أساسًا لما له من سلبيات. لعل الفائدة العظمى للذكاء الاصطناعي أنه سهل الكثير علينا وخفف المعاناة البشرية ولو بقدر بسيط، فالآن أصبحنا نرى ذوي الإعاقات الجسدية يعتمدون على أنفسهم مرة أخرى بفضل ذراعٍ آلي أو كرسي متحرك أو سيارة ذاتية القيادة؛ لقد وصلنا إلى الحد الذي يُمكننا من التحكم في الأشياء عن بعد باستخدام أدمغتنا فقط، ولنا في شريحة Neuralink التي مكنت مشلولًا من لعب الشطرنج بدماغه خير دليل. من منظور المرضى، فلم يعد يتعين على مريض السكري مثلًا أن يذهب إلى المستشفى لمتابعة مستويات الجلوكوز، ومن منظور الأطباء، فالجرّاحون الآن يستخدمون نظارات أبل للواقع المختلط Apple Vision Pro لمحاكاة العمليات الجراحية قبل تنفيذها، وبحلول 2026، من المتوقع أن يُستخدَم الذكاء الاصطناعي في ثلثي عمليات التصوير الطبي للكشف عن الأمراض وتوجيه العلاج. اقرأ أيضًا: هل تريد تبني الذكاء الاصطناعي في عملك الخاص؟ راعِ هذه التحديات أولاً يوميًا، يقضي الموظفون ساعتين ونصف تقريبًا في قراءة الإيميلات والرد عليها؛ بينما يُمكن للشخص أن يوفّر الوقت، وغيرها من الساعات الضائعة على المهام الروتينية، باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهذا بحسب دراسة تُشير إلى أن استخدام الـ "AI" في العمل يمكن أن يُحسّن من الأداء بنسبة 40%. ساعد الذكاء الاصطناعي، "الضعيف" Narrow AI تحديدًا، كُبرى الشركات على إنجاز مهامها بسهولة، ودليل ذلك أن Apple، وAmazon، وMicrosoft، وGoogle، وغيرهم يستثمرون مليارات الدولارات على الأتمتة Automation (تشغيل العمليات بشكلٍ تلقائي) والذكاء الاصطناعي سنويًا. مع وجود أدوات مثل ChatGPT وGoogle Gemini من جهة، وApple Vision Pro وMeta Quest من جهةٍ أخرى، أصبح مفهوم التعليم مختلفًا تمامًا، سواء بالنسبة للمعلمين أو الطلاب، فهذه الأدوات سهلت عملية الفهم وساعدت على تخيل أكثر المفاهيم المعقدة، وهو ما كان يعرقل العملية التعليمية بشكلٍ كبير. من منظورٍ آخر سنجد للذكاء الاصطناعي سلبيات عديدة أيضًا، والمفارقة أنها من جِنس الإيجابيات، فإذا كان الـ "AI" يُساعد على الإنتاجية ويوفر فرصًا ومجالات جديدة للعمل، فإنه في الوقت نفسه يقضي على الكثير من الوظائف. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على 40% من الوظائف في جميع أنحاء العالم، ويكفي الأخبار الواردة عن تسريح الشركات لموظفيها؛ يَكثُر هذا الأمر في الوظائف الروتينية تحديدًا، وهذه السلبية الأولى. السلبية الثانية للذكاء الاصطناعي أنه يجعل الكثيرين كسالى ويُثبّط الإبداع لديهم، فلو استثنينا الدوافع المادية؛ ما الذي سيدفع فنانًا إلى قضاء ساعات وأيامًا في رسم لوحةٍ في حين أنه يستطيع أن يُنجزها في ثوانٍ بالذكاء الاصطناعي؟ سلبيةُ ثالثة من سلبيات الذكاء الاصطناعي تتمثل في الخداع وانعدام الشفافية والانحياز. على سبيل المثال، أنشأ نموذج Google Gemini في فبراير المنصرم صورًا لجنود نازيين وباباوات كاثوليك ببشرة سوداء، وأُثيرت ضجة كبيرة حول هذا الأمر، ما يأخذنا للسلبية الرابعة. السلبية الرابعة هي أن معلومات الذكاء الاصطناعي، وبخاصة الطبية، لا يمكن الاعتماد عليها، فالذكاء الاصطناعي يهلوس وأحيانًا قد يدفع المرء للانتحار. أما السلبية الخامسة، التي حولها يدور معظم الجدال، أن الذكاء الاصطناعي قد يقضي على البشرية! وهذا ليس من قبيل نظريات المؤامرة، فإيلون ماسك بنفسه قد حذر سابقًا من أن الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في "تدمير الحضارة"، وهذا رغم استثماره الضخم في هذا المجال..!
مشاركة :