لا يزال البعض عاجزاً عن فهم واستيعاب أهمية وضرورة إنقاذ اليمن من المآل الكارثي الذي وصل إليه بفعل الصراعات المحتدمة بين الأطراف السياسية والحزبية من أجل السلطة والجاه والنفوذ، والتي تسببت في تفكك وخلخلة بنيان الدولة والمجتمع، وفي تدمير كل مقدرات الوطن، والتضحية بالأبرياء من الناس الذين لا ناقة لهم ولا جمل في ذلك الصراع العبثي، والإصرار على المضي قدماً في تنفيذ الأجندات والمشروعات القائمة على وهم زائف بإمكانية القدرة على مصادرة حق الآخرين وفي إجهاض أي توافق أو اتفاق وطني من شأنه أن يوقف نزيف الدم اليمني الذي يسفك بدون أي هدف سوى إشباع الرغبات الذاتية ونزعات الانتقام من الشعب الذي ينشد الأمن والسلام والاستقرار للجميع، ويطمح إلى أن تتخلى الأطراف المتصارعة عن سياستها التدميرية، وأن تتحمل مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية لوضع حدٍ لصراعاتها من أجل السلطة والنفوذ، وأن تكرس جهودها لبناء يمن قوي في ظل دولة مدنية حديثة تقوم على أساس من العدالة والمساواة والنظام والقانون، تختفي في ظلها كل نزعات التسلط والهيمنة والاستحواذ والتهميش والمتاجرة بقضايا الوطن، فاليمن اليوم لم يعد بحاجة إلى من يدعي أنه الوحيد مَنْ يمتلك كامل الحقيقة، ولا إلى العنتريات وإشعال الحروب الطائفية والمناطقية، فما يحتاجه ويتطلع إليه الجميع أن تضع الحرب أوزارها، وأن يتوقف نزيف الدم، وأن تتجاوز البلاد المحنة التي تعيشها، وأن يكون الحوار وسيلة الجميع للوصول إلى ما من شأنه إنقاذ البلاد وإيقاف عملية انهيار الدولة وتشظي الوطن، ويحتاج أيضاً إلى أن يتوقف البعض من أبنائه عن أساليب ووسائل الاستهداف التي تصبح أكثر فتكاً بالوطن في مراحل الاضطرابات والأزمات والحروب؛ حيث تكون النفوس مشحونة بنزعات الانتقام والحقد، وتكون خلالها الأجواء السياسية والاجتماعية مواتية للاستقطابات والعمل غير المشروع وبالذات من قبل الأحزاب والقوى والتنظيمات والجماعات السياسية التي لا هدف لها سوى الاستحواذ بقوة السلاح على كل شيء في الوطن، بالتزامن مع نشاط أيدلوجي وفكري وإعلامي وسياسي موجه بهدف فرض فكر غريب على الشعب اليمني الذي ظل متعايشاً منذ فجر الإسلام، واستثمار حالة عدم الاتزان واضطراب المواقف، لتظل القوة بديلاً للحوار، فالعواصف والأنواء وأجواء العنف والاقتتال والرعب، واتساع نشاط التنظيمات الإرهابية التي استغلت الفوضى السائدة في البلاد لبسط المزيد من سيطرتها ونفوذها على عدد من المدن والمناطق اليمنية، تتطلب من كل القوى السياسية والحزبية والمكونات المتورطة في الصراع أن تتخلى عن العبث بالشعب وبالوطن المثقل بالجراح والآلام والأوجاع، وتجنبه المزيد من التشظي والانهيار، وأن تعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه والوصول إلى حلول ناجعة تمنع استمرار هذا الوضع المتردي الذي لم يكن يخطر على بال أي يمني أن تصل إليه بلادهم. إن استمرار الصراع على السلطة يأتي في سياق الأعمال الإجرامية الخطيرة في حق الوطن والشعب، ويعبر عن غرائز وثقافة وأخلاقيات سياسية واجتماعية شاذة تستنهض نوازع وغرائز الشر الكامنة في الذات البشرية وتدفعها إلى اللجوء لأساليب العنف والقهر والموت والدمار، وهو ما يفرض على القوى التي لا همّ لها إلاَّ تحقيق مصالحها الذاتية دون المصلحة الوطنية العليا، أن تدرك أن الوهم الذي يسيطر عليها ويتحكم في ممارساتها لن يجدي نفعاً، وستجد نفسها تغرد خارج السرب مهما استمرأت استخدام العنف والقوة وإثارة الفتن وإشعال الحروب الداخلية للوصول إلى غاياتها وطموحاتها في الاستيلاء على السلطة، فمثل هذه الغرائز التدميرية والسلوكيات الشاذة تعتبر أكثر خطراً وأشد فتكاً بالوطن، خاصة في ظروف الأزمات حين تتحول إلى ثقافة وظاهرة حياتية عامة وإلى خيارات وبرامج سياسية، وقناعات فكرية ثابتة لدى جماعة ما أو حزب أو تكتل سياسي أو اجتماعي يدفعه تهوره إلى العنف للوصول إلى تحقيق مبتغاه في السلطة والثروة والنفوذ. البعض ربما أيقن بعجزه عن تحقيق مشروعاته بالطرق السلمية المشروعة، فدفعه يأسه مع الأسف إلى العمل في الاتجاه المعاكس في محاولة منه لتعزيز فرص نجاحه في حسم الأمور لصالحه بالقوة التي من المفترض ألا يمتلكها أحد ولا يحق استخدامها إلا من قبل الدولة في كل الظروف والأحوال، كما أن البعض يتجاهل الكثير من حقائق الواقع وما شهده الوطن والمنطقة من متغيرات تفرض عليه استيعابها والإسراع لإنقاذ نفسه أولاً من السقوط في مستنقع الارتهان الخاسر لقوى غريبة على مجتمعنا العربي تريد أن توسع نفوذها في المنطقة وفي اليمن بالذات سواء تلك القوى التي تريد فرض نظام حكم غريب يعتمد على ولاية الفقيه، أو التي تريد الاستيلاء على السلطة وتجعل اليمن منطلقاً لإقامة دولة الخلافة الإسلامية التي تسعى إليها التنظيمات الإرهابية المتعطشة للدم، وهو ما لا يمكن أن يقبل به الشعب اليمني تحت أي مبرر كان.
مشاركة :