اختار المخرج المصري الشاب أحمد عويس رزق أن يجعل توفيقة، المرأة المصرية المسنة، بطلة لفيلمه، حيث سجل العلاقة الفريدة بينها وبين حيوانات الشوارع في القاهرة، وكيف يتبادل الطرفان المشاعر النبيلة، بينما تضحي المرأة يوميا لإطعام كائنات أليفة لم تجد لها مأوى يحميها. الرباط - تعتبر الأفلام الوثائقية التي تتناول موضوع النساء الوحيدات وعلاقتهن بتربية القطط والكلاب جزءا مهمًا من الوثائقيات التي تلقى اهتمامًا متزايدًا، إذ تتنوع هذه الأعمال في الأساليب والموضوعات التي تتناولها، ولكنها تشترك في تسليط الضوء على العلاقة الفريدة والمعقدة بين النساء اللاتي يعشن بمفردهن وبين الحيوانات الأليفة التي يربينها ويعتبرنها جزءًا لا يتجزأ من حياتهن. وتقدم هذه الأفلام نظرة عميقة إلى العواطف والروابط القوية التي تجمع بين حياة الإنسان وبين الاهتمام بصحة ورفاهية الحيوانات، وخصوصا تأثير تربيتها على النساء الوحيدات على الصعيدين النفسي والاجتماعي، وكذلك استكشاف العلاقات الإنسانية الفريدة التي تنشأ بين الإنسان وحيوانه الأليف. وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” لقاء مع المخرج المصري أحمد عويس رزق حول فيلمه التسجيلي “شارع توفيقة” الذي يوثق حياة سيدة مسنة وهبت نفسها لتربية القطط وكلاب الشوارع في القاهرة. تدور أحداث الفيلم التسجيلي “شارع توفيقة” حول سيدة مسنة تعيش بمفردها، وتربطها علاقة خاصة مع حيوانات الشارع، حيث ظلت مستمرة لأكثر من عشرين عامًا في تقديم أنواع الرعاية المختلفة للحيوانات بالرغم من صعوبة التحديات التي تواجهها، وغيرها من المغامرات التي تحكيها خلال رحلتها في شوارع القاهرة. استخدام الموسيقى اقتصر على الأجزاء الخاصة بالحكاية حيث كانت البيئة الصوتية ثرية ومعبرة عن ضوضاء الشارع وحركة الحيوانات استخدام الموسيقى اقتصر على الأجزاء الخاصة بالحكاية حيث كانت البيئة الصوتية ثرية ومعبرة عن ضوضاء الشارع وحركة الحيوانات يقول المخرج المصري أحمد عويس رزق لـ”العرب” حول سر اختياره هذا الموضوع: “يكمن السر في مراقبة البيئة، ففي إحدى المرات أثناء عودتي إلى المنزل آخر الليل كنت أنظر من نافذة الحافلة سارحًا بخيالي، أتأمل في شوارع القاهرة الهادئة على غير العادة، إذ أن كل مكان له ذكرى، وكل إضاءة تحكي قصة، كذلك كل أولئك البشر الماضون في أرجاء المدينة التي لا تنام. أثناء مرورنا أمام حديقة الحيوانات بالجيزة لفت انتباهي مجموعة كبيرة جدًا من القطط والكلاب تسير خلف امرأة مسنة تحمل في يدها حقيبة، وكأنه موكب شرف، فدارت في ذهني عدة تساؤلات”. ويتابع “قررت أن أنزل من الحافلة، بدأت أشاهد المنظر مرة أخرى عن قرب، رأيتها تجلس وكل الحيوانات تدور حولها، تلاطفها القطط متمسحة في ثوبها وتحرسها الكلاب، وهي تخرج من حقيبتها كل تارة طعاما للحيوانات، تنادي عليهم فيأتون مسرعين من كل حد وصوب، ظاهرين من العدم، من خلف الأسوار ومن الشوارع الجانبية، لتوزع على كل مجموعة جزءا من طعامها، ففي تلك اللحظة أدركت أنني أمام حدث نادر لا يتكرر كثيرًا”. وحول الرؤية التي يريد تحقيقها من خلال توثيق حياة هذه السيدة ورحلتها في شوارع القاهرة، يقول المخرج المصري: “أول ما أردت توثيقه هو طاقة الحب التي كانت تشع من السيدة توفيقة، للحيوانات المتشردة في الشوارع، يجتمعون حولها بلا سابق موعد، فقط تلبية للنداء. حينها أدركت أن الروابط العاطفية الصادقة التي تلامس القلوب ولو كانت حيوانا هي التي تمنحنا القدرة على الحياة رغم قسوتها، فقد تكون الحياة صعبة للغاية على البعض، لكن الرحمة والخير موجودان بداخلنا إذا بحثنا عن الفطرة السليمة”. ويوضح “حاولت التأكيد على أن كل إنسان هو كتاب مفتوح مليء بالحكايات والمواقف، فقد تبدو لك تلك السيدة البسيطة للوهلة الأولى من بعيد أنها لا تحتاج للمساعدة، لكن عندما تقترب من الصورة، تجد أن تاريخها ممتد بالعطاء على مدار عشرين عامًا، كانت ترعى فيها حيوانات الشارع، والقيمة المحورية هنا هي إمكانية وجود لغة مشتركة وتفاهم بين الحيوان والبشر، تغذيها الأفعال الطيبة والعطف، وينسج حروفها الحب”. وحول كيف نجح في بناء الثقة مع السيدة المسنة وجعلها تشارك قصتها بشكل صادق ومفصل، يقول أحمد عويس رزق: “بدأ الأمر بالثناء عليها، والإشادة بالقيمة التي تقدمها في الحياة وأنها من أنبل القيم، ثم استأذنتها أن ألتقط بعض الصور، وجلست أتحدث معها، وقد أخرجت من جعبتها حكايات عديدة عن نفسها وعن الحيوانات، حاولت أن أهديها كوبًا من الشاي، لكنها لم تقبل بل أرادت أن تجلب لي واحدًا، تبادلنا الحديث وكما توقعت كانت لطيفة في ردها، ثم عرضت عليها أن نحكي قصتها المثيرة في فيلم قصير فلم تمانع، ودعتها بابتسامة والتقطت لها صورة وهي تشرب الشاي، ثم وعدتها بأن أطبع الصور وأحضرها في المرة القادمة، وقد بدت متحمسة لذلك”. "شارع توفيقة" فيلم تسجيلي يوثق حياة سيدة مسنة وهبت نفسها لتربية القطط وكلاب الشوارع في القاهرة "شارع توفيقة" فيلم تسجيلي يوثق حياة سيدة مسنة وهبت نفسها لتربية القطط وكلاب الشوارع في القاهرة ويكشف المخرج التحديات التي واجهته أثناء تصوير الفيلم في بيئة معقدة مثل شوارع القاهرة قائلا: “أولى التحديات كانت في محاولة الاقتراب كشخص غريب من تلك السيدة التي تحيط بها كلاب الشارع وتحرسها بعناية، حيث كان ردهم عنيفًا في البداية مما اضطرني للوقوف على مسافة آمنة، بدأت الاقتراب بحذر والحديث للسيدة، ولم تهدأ الحيوانات حتى أمرتها بالتوقف عن مطاردتي، وقد حاول أحد الكلاب أن يعض قدمي أثناء التصوير لولا ستر الخالق، ثانيًا، كانت صعوبة الحصول على معلومات للتواصل، فعند مغادرتي طلبت منها رقم الهاتف للتواصل، وكانت المفاجأة أنها لا تحمل أي هاتف، كما أن موعد قدومها غير معلوم وفي الليل على وجه العموم، فعندها طرأت فكرة لم تكن متوقعة، طلبت مني أن أذهب لعربة الشاي المجاورة وأطلب من صاحبها رقم هاتفه، فهي تثق به وذلك هو السبيل الوحيد لمعرفة موعد قدومها للمكان، على أمل أن ألتقي بها مرة أخرى في زمان غير معلوم”. ويشير أحمد عويس رزق: “حاولت التركيز على رحلتها منذ البداية، من منزلها ثم الأماكن التي تشتري منها الطعام للحيوانات ثم الطريق الطويل الذي تسلكه كل ليلة سيرًا على الأقدام، حيث كانت مواعيدها مقدسة، وتربطها علاقة روحية سامية مع حيوانات الشارع، وقد أظهر الفيلم أشكال التفاعل والتفاهم بينهم، ورغم أن السيدة تبدو رقيقة الحال إلى درجة أنها تؤثر على نفسها أن تصرف معاشها سوى على تلك الحيوانات، بل وصل الأمر أنها تقتسم طعامها الشخصي مع الحيوانات إذا لم يكن كافيًا ما أحضرته”. هذه الأفلام تقدم نظرة عميقة إلى العواطف والروابط القوية التي تجمع بين حياة الإنسان وبين الاهتمام بصحة ورفاهية الحيوانات، وخصوصا تأثير تربيتها على النساء الوحيدات على الصعيدين النفسي والاجتماعي ويضيف “حكت لي مرة موقفًا شرحت فيه مدى تأثرها وارتباطها بالحيوانات، فهي تذكر أنها مرضت في أحد الأيام ولم تستطع الذهاب كالعادة لإطعامهم، وعندما ذهبت في اليوم التالي أخبرها الناس أن الحيوانات ظلت في انتظارها طوال الليل، وقد آلمها ذلك الموقف بشدة. وفي مفارقة أخرى ذكرت أنها ظلت تزور قبر كلبها الذي مات منذ فترة بصورة أسبوعية، وتفتقد مواقفه الجميلة معها حيث كان بمثابة رفيقها وابنها الوحيد في الحياة فليس لديها أبناء وأيضا بعد موت زوجها، كما أنه لم يعد يزورها أحد من الأقارب”. وفي نقاشنا التقني حول استخدامه للصوت والموسيقى في الفيلم لتعزيز قوة القصة والتأثير العاطفي، يقول أحمد عويس: “تنوعت الموسيقى بين أصوات الشارع وأصوات الحيوانات، واقتصر استخدام الموسيقى على الأجزاء الخاصة بالحكاية حيث كانت البيئة الصوتية ثرية معبرة عن ضوضاء الشارع وحركة الحيوانات وتفاعلها”. أما الأفكار التي يأمل أحمد عويس في تركها للجمهور بعد مشاهدة الفيلم فهي حسب رأيه: “أولاً، فعل الخير حباً فيه وليس انتظاراً للجزاء، رغم أنه سيعود إليك على أي حال في صور أخرى، وثانيا، تذكر أن فاقد الشيء هو أكرم مانحيه، تلك حقيقة مؤكدة، ولا تقلق من نقص في المال، فرزقك على يد غيرك ورزقه على يدك فلا حيلة في الرزق، وثالثاً، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، فالرحمة من صفات الخالق”. ويضيف حول قضايا المسنين وحقوق الحيوان: “إن أكثر اللحظات تأثيرًا هي تلك التي علمت فيها أنها وحيدة تمامًا، لا أبناء لها ولا أهل بقربها، وأن الحيوانات هي كل شيء بالنسبة إليها، فقد أفنت حياتها في خدمتها، وأذهلني حجم الجهد المبذول يوميًا في رحلتها كبرنامج ثابت، فحاولت أن أوثق ذلك، وأكثر الأشياء التي منحتني الأمل هو أن كل شارع تسير فيه توفيقة كانت تعرفها حيواناته وتلتف حولها، أو كما أقول لها في كل شارع قطة، قد ساعدني ذلك الأمر في اختيار اسم الفيلم “شارع توفيقة”، والمجتمع المصري معروف باحترام كبار السن وحبه للحيوانات، لكن في الكثير من الأحيان تفتقد تلك الفئات للرعاية والاهتمام أو يتعرضون للتهميش، وقد سلط فيلمي التسجيلي الضوء على تلك النقاط، كما أتمنى أن تصل مناشدة الست توفيقة للمسؤولين أو المهتمين بالأمر مثل جمعيات الرفق بالحيوان بتنظيم رعايتها والأخذ بالاعتبار الأفكار والحلول التي طرحتها”.
مشاركة :