لا يزال خطاب الرئيس الجزائري يتردد على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب جملة تهديد بلغة شعبية أصبحت شهيرة لكثرة تداولها ووضعها تعليقا على رسوم كاريكاتيرية، وسط جدل واسع بشأن صوابية استخدامها من قبل رئيس دولة ومَن الذي يستهدفه بها. الجزائر - أثار خطاب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون موجة جدل على مواقع التواصل الاجتماعي داخل الجزائر وخارجها بعدما استعمل لغة شعبية للتعبير عن سياسة البلاد، لم تجد قبولا لدى شريحة واسعة من الشعب الجزائري. واختلف معلقون حول كلمات الرئيس، بين من يرى أنها كلمات عادية مصدرها الثقافة الشعبية المحلية التي دأب الرؤساء الجزائريون على استعمالها، ومن يرى أنها كلمات “شعبوية” لا يجب أن تصدر عن رئيس جمهورية. وتحدث تبون عن إنجازاته أمام جمع من المسؤولين المدنيين والعسكريين، وقال “أنتم شهود أنه لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة، لا توجد هناك وعود انتخابية، ولكن هناك التزامات مكتوبة. وكل ما قمت به سبق أن التزمت به كتابيا، وبتوفيق من الله ومساعدة الوطنيين الأحرار وصلنا إلى نتيجة على غرار عصرنة الجيش الوطني الشعبي الذي يخافون منه من بعيد”. وأضاف “تجيني بالكلام لحلو معليهش كلامك نحسبو عليك، بصح أني شاد حجرة في يدي تخرج من صف نعطيك”. ناشطون اعتبروا أن التهديد بالحجر لا يليق برئيس دولة، فيما رأى آخرون أن تبون يتحدث بلغة يفهمها الشعب ويعني تبون “إن تحدثث معي بكلام جميل وجيد أحسبه عليك، لكني مع ذلك ممسك بالحجر في يدي إن ابتعدت عن الصف أضربك به”. ولم يوضح الرئيس الجزائري الجهة التي يقصدها بهذه الرسالة أهي جهة داخلية أم خارجية، إلا أن استعمال كلمات من اللهجة الشعبية أثار جدل المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبر البعض أن التهديد بالحجر بتلك الطريقة لا يليق برئيس دولة، فيما رأى آخرون أن الرئيس من حقه أن يتحدث بلغة يفهمها الشعب. ووصف العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي هذه التصريحات بأنها “مسيئة” لسمعة الجزائر ولا ترقى إلى ما يجب أن يتصف به الخطاب السياسي، خاصة خطاب الرؤساء، من ذكاء ورصانة واتزان، بل إن هناك بعض الناشطين اتهموا تبون بأنه “يعيش في العصر الحجري”. وعلق وليد كبير، الصحافي الجزائري المعارض، على الجملة الأخيرة من كلام الرئيس في منشور على صفحته في فيسبوك قائلا “تبون يستعمل عبارات بلطجية في خطابه… تبون يسيء بشكل بليغ إلى سمعة الجزائر ويؤكد على أن نظامه مافياوي خالص”، قبل أن يتساءل “أهذا مستوى رئيس الجمهورية؟”. وانسحب الأمر على الكثير من الجزائريين الذين عبروا عن استيائهم من اللغة الشعبية لرئيس بلادهم، وجاء في تعليق: Pirana_dusahara@ وانتقد آخرون مهاجمة تبون أبناء منطقة القبائل في خطابه: JugHanachi@ تصريح تبون ومهاجمته ضمنيا للباديسية النوفمبرية وخطاب الكراهية ضد منطقة القبائل: واحد موظف تاع الدولة ألي تقدّس الشهداء قال “عبان فيه وفيه” اقعد قدّام باب داركم واش أدّاك لعبّان نتا واش تكون. واحد يسب في منطقة كاملة، يقول هذه الأمازيغية فلكلور. وانتشرت الكثير من الصور الساخرة والكاريكاتيرية على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر الرئيس الجزائري يحمل حجرا أمام الطوابير التي تصطف للحصول على المواد الغذائية المدعومة، وقال أحدهم: BENNASARMOHAMAD@ وكتب آخر: kas_HBX@ تبون ينتظر أي واحد يخرج عن الصف ليرشقه بالحجارة، من خطاب الرئيس الجزائري تبون لشعبه. وتهكم البعض من المتابعين على خطاب تبون الذي يمثل الخطاب الرسمي للسلطة معتبرين أنه يؤمن بنظرية المؤامرة ويلقي باللوم على الآخرين لفشله في العديد من الملفات، وقال أحدهم: Elrrezgui@ ويقول ناشطون إن تبون يحاول التقرب من الشارع الجزائري باستخدام لغة شعبوية مع اقتراب انتخابات رئاسية “مسبقة” في 7 سبتمبر 2024، أي قبل ثلاثة أشهر من الموعد المقرر لها، ويتوقع أن يعلن تبون ترشحه لسباق الرئاسة على ضوء تحركات مكثفة في الفترة الأخيرة شملت عدة مناطق وتدشين مشاريع ضخمة. وأطلق الرئيس الجزائري الاثنين في خطابه للأمة وعودا جديدة بالعمل على تحسين القدرة الشرائية للفئات الهشة وتوسيع وعاء منحة البطالة. وينفق النظام بسخاء على شراء السلم الاجتماعي لتفادي اشتعال الجبهة الاجتماعية ضمن ما تسميه السلطة المكاسب الاجتماعية التي تحرص باستمرار على عدم المس بها مخافة انفجار الاحتجاجات. واستعرض في خطابه الإصلاحات التي تم تنفيذها خلال السنوات الأربع من عهدته الرئاسية، مؤكدا أنه جعل من تعزيز الطابع الاجتماعي للدولة “نبراسا لكل الجهود المبذولة”، ومذكرا بزيادة الأجور وتأسيس منحة البطالة وتحسين المستوى المعيشي للجزائريين. ويبدو أن تبون يحاول تدارك سقطات الكثير من المسؤولين في حكومته الذين أثاروا نقمة الشعب بخطابهم الاستعلائي، خاصة منهم المقربين من الرئيس. النظام ينفق بسخاء على شراء السلم الاجتماعي لتفادي اشتعال الجبهة الاجتماعية ضمن ما تسميه السلطة المكاسب الاجتماعية ويعاني الخطاب السياسي الجزائري من مواطن ضعف على عدة مستويات، حيث يبقى الخطاب السياسي الممارس من طرف بعض رموز السلطة والمؤسسات الرسمية في البلاد مصدرا لأزمة الثقة المستفحلة بينها وبين الشارع الجزائري، فهي بحاجة إلى خطاب يحتوي الأزمات ويفكك تراكمات القطيعة بين الطرفين. وقد تحوّل حضور محافظي المحافظات الجزائرية في مواقع التواصل الاجتماعي إلى موضة دعائية على أمل تسويق صورة ناصعة لدى مواطني تلك المحافظات ولدى أولياء النعمة، بغية نيل المزيد من الثقة. غير أن ذلك الحضور انقلب على البعض منهم بمفعول عكسي، بسبب سوء إدارة الخطاب؛ فكثيرا ما كشفت جمل مقتضبة، أو تصريحات غير محسوبة العواقب، حقيقة هؤلاء المسؤولين المكلّفين بإدارة الشأن العام، كما حدث مع محافظ محافظة وهران سعيد سعيود. ويستذكر الجزائريون عبارة المحافظ “هز قشك وامشي” (احمل أغراضك وارحل) التي تلفظ بها تجاه مالك كشك، والتي أثارت موجة غضب واسعة في الشارع الجزائري، فهي على طابعها الاستفزازي والاستعلائي عكست تغول رموز السلطة واجترار نفس الخطاب الذي يكرس أزمة الثقة بين الطرفين، والذي كان أحد أسباب انفجار انتفاضة فبراير 2019، ورغم ذلك مازالت السلطة لا تميز بين الخطاب الذي يردم الهوة والخطاب الذي يزيد في شساعتها ويعمق حالة الاحتقان. ويعتبر تصرف المسؤول امتدادا لظاهرة التغول الإداري والسلطوي على الشأن العام في البلاد، فقد بات السلوك المشين والتصريح الاستفزازي يطرحان بشكل جدي مسألة تكوين الخطاب السياسي لدى الرصيد البشري للسلطة، خاصة وأن نفس التجارب هي التي فجرت أزمات محلية وإقليمية مازالت آثارها ماثلة إلى حد الآن.
مشاركة :