اليقين الثابت الذي لا جدال عليه، هو أن وزير النفط السعودي علي النعيمي يخوض حالياً معركة لا لين فيها، سواء كانت ضد شخصه، أو ضد السياسات التي يتبعها في إدارة وزارته لشؤون النفط، ويضاف إلى ذلك صراعه مع الإعلام الغربي الذي يحاول في كل مرة تسنح له فرصة الالتقاء به انتزاع ما يريده، وترك ما لا يريده الوزير. منذ انهيار أسعار النفط العام الماضي، والتهم ترمى بغير تبصر على معاليه، فيُتَهم تارة بأنه كان وراء مثل ذلك الانهيار، وتارةً بأنه كلما أراد النفط أن يتعافى ألقمه بتصريح لاذع ومخفف لتعافيه؛ بحيث يعيده إلى وضعه المضطرب من حيث السعر المتدني الذي يحوم حوله، ولا يَعرِف من يتهمه أن المعركة الأساسية هي مع النفط الصخري، وقد انتصر فيها، ونصره يسجل للمملكة، فالنفط الصخري هو من تسبب في إشعال فتيل انهيار الأسعار، ولو لم تنفذ وزارته السياسة المضادة تجاه هذا الابتكار الذي شكل خطراً على موارد المملكة الرئيسية من بيع النفط، لكان الأمر قد خرج عن السيطرة. كما لا يعرف من يتهم الوزير علي النعيمي أنه يشغل منصباً حساساً منذ عام 1995م، ويمثل فيه اللفظ الواحد إشارة قد تُغنِي عن سيل من الكلمات، وله فطنته في هذا الجانب، ويستخدمها لتحقيق ما يريده وبطريقته الخاصة، سواء من حيث الغرض مما يريد قوله، أو بطريقة وقفه لسؤال يجهل فيه السائل القيمة من سؤاله أو المضمون الذي يريد الوصول إليه. بعض سائليه وهم دوماً من "الإعلاميين المتخصصين" في مجال النفط، يرون أنهم أمام وزير نفط حاذق، يحمل بعداً إستراتيجياً ومضموناً فكرياً يندر توفره في كثير من شاغلي هذه المناصب الوزارية على مستوى وزراء النفط في العالم، ولذا فهم يفاجئون أحياناً بالرد المباشر المؤدب، ليسيطر بالتالي على إلحاح إعلاميي القنوات الفضائية العالمية ومشاكساتهم. آخر ما سُجِلَ لوزير النفط ويمكن أن يشاد به، هو ما واجهه من موقف الثلاثاء الماضي على هامش المنتدى السادس للبتروكيماويات الذي تنظمه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، فقد كان الوزير يسترسل في رده على أسئلة الإعلاميين المتعلقة بالمنتدى، لكنه بعد إجاباته المتعلقة بالبتروكيماويات، إذا به يفاجأ بسؤال أخطأ توقيته وهدفه، وكان متعلقاً بخفض الإنتاج. دهشة الوزير كانت في محلها، لكنه قابلها بأدبه الجم والرفيع، وبإجابة كانت قياسية في حروفها، لم تتجاوز الثلاثة حروف، وهو موقف أظهر نوعاً من المهارة والذكاء والاستعداد الذهني لمثل تلك الأسئلة التي لا تتناسب والظروف الحالية؛ حيث تتركز الأنظار على اجتماع الدوحة المرتقب الأحد المقبل، الذي يهدف إلى تثبيت الإنتاج كمتابعة للاجتماع الأول. مصدر دهشة الوزير كانت من خلال؛ أن الكل يترقب موقف المملكة من تثبيت الإنتاج؟ وموقف المملكة من الإجماع على التثبيت، لجميع الدول المصدرة بما فيها إيران، فالموقف كان واضحاً، وأصبح شديد الوضوح بعد حديث سمو الأمير محمد بن سلمان لوكالة بلومبيرغ قبل نحو أسبوعين؛ من أن المملكة مع جميع الدول المنتجة إذا قررت تثبيت الإنتاج بما فيها إيران وروسيا وفنزويلا ودول أوبك وكافة المنتجين الرئيسيين. أجاد الوزير كعادته إجادة جديرة بالإشادة في رده على مثل ذلك السؤال، ويجب ألا ننسى أن مواقفه مع الأسئلة المُلِحَة، ومن مراسلين أكفاء ومتخصصين في الإعلام النفطي العالمي، فمن تريد أن تنتزع إجابات منه من وسائل الإعلام عن النفط وتركز على ما تهدف له لن تستطيع ذلك، فإجاباته تمتاز بالدقة الشديدة، ومثل تلك الدقة هي التي نحتاجها اليوم في كثير من الوزراء.
مشاركة :