ناغورنو كره باخ وصراع الهويات

  • 4/16/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثارت المعارك التي انفجرت في ناغورنو كره باخ بين الأرمن وأذربيجان حيرة المراقبين، لجهة أسبابها ومدى استمرارها واحتمالاتها. ذلك أن هذه المعارك لم يكن لها أي مبرر جديد لتندلع. إذ إن إسرائيل، مثلاً، كانت تتذرع بمحاولة اغتيال سفيرها في لندن لتجتاح لبنان عام 1982. والحرب العالمية الأولى بدأت باغتيال ولي عهد النمسا، وتحرير الكويت جاء بسبب احتلال صدام حسين لها. وعلى هذا كانت شرارة تشعل حرباً صغيرة أو حروباً كبيرة، وربما عالمية. الوضع في كره باخ مختلف. فجأة انفجرت المعارك وبعنف عالي المستوى. فجأة سقط العشرات من الجنود الأذريين والأرمن قتلى، فضلاً عن عشرات الجرحى. الوضع في ناغورنو كره باخ مستقر منذ عام 1994 تقريباً. قبلها عشية تفكك الاتحاد السوفييتي بدأت الحرب بين أرمن كره باخ وأرمينيا، من جهة، وأذربيجان من جهة أخرى. ناغورنو كره باخ كانت ضُمت في عام 1923 إلى أذربيجان من جانب الزعيم السوفييتي جوزف ستالين ضمن الاتحاد السوفييتي. من هنا أولى بذور المشكلة. منطقة بكاملها من لون واحد، وإثنية مختلفة، وانتماء ديني مختلف عن الأذريين يتبعها ستالين لأذربيجان. ليس المثال اليتيم داخل الاتحاد السوفييتي وداخل دول أخرى. القرم تلاعب ستالين بأهلها وعمليات نقل أقوام من أماكنهم إلى أماكن أخرى كانت إحدى سياساته. تقسيم شعوب بكاملها كانت سياسة للاستعمار. الأكراد كانوا ضحية التقاسم العثماني- الصفوي عام 1639. وكانوا مرة ثانية ضحية تقسيم فرنسا وإنجلترا للمشرق في ما عرف بسايكس - بيكو. والحدود غالباً ما ترسم بعيد المعارك والحروب الكبرى. وكل المنطقة المشرقية العربية رسمت حدودها بعد الحرب العالمية الأولى. الأراضي التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي، أو في أوروبا الشرقية، ومنها يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وفي البلقان شهدت صراعات دموية بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي. الآن هي مخلعة إلى دول ودويلات وإثنيات لا تستطيع التعايش بين بعضها بعضاً، إما بسبب الاختلاف الإثني أو الديني أو المذهبي. دائماً كانت هذه العوامل سبباً لسفك الدماء سواء بين المسلمين والمسيحيين، أو داخل المسيحيين، أو داخل المسلمين، أو غير ذلك من أسباب. ليس من الطبيعي أن يكون حل خلافات اختلاف الإثنية، أو الدين، أو المذهب، هو دائماً الانفصال والاستقلال، كما ليست الفيدرالية دائماً هي الحل. هناك ألف صيغة للحلول التقسيمية. لكن ليس بالضرورة أن يكون الحل تقسيمياً. ولكن أيضاً لا يمكن في الوقت نفسه أن تفرض على مجموعة، مهما قل عددها أو كثر، أن تكون جزءاً من الكل إذا لم تكن تستطيع التعبير عن هويتها ولغتها وثقافتها في حده الأدنى، وفي أن تكون جزءاً من إدارة البلاد على الأقل حيث تكون لها أغلبية عددية. العالم العربي والإسلامي يعج بالمشكلات ذات الصبغة الأقلوية. من الأكراد في العراق وسوريا وتركيا، إلى الأمازيغ في الجزائر وليبيا. وعلى الصعيد الديني أيضاً هناك مشكلات متعددة أهمها ربما في مصر بعدما انتهت مشكلة السودان إلى تقسيمه دولتين مستقلتين على أساس ديني وعرقي. يقول أحد الباحثين العرب إن مشكلات الأقليات موجودة في بنية المجتمعات، وليست نتاجاً مباشراً للاستعمار الخارجي الذي استغلها وحرّض عليها، ما يسّر عليه احتلال أجزاء واسعة من الوطن العربي. أي أن مشكلة الأقليات أشبه بمياه جوفية موجودة ولا تحتاج سوى لبعض الحفر لكي تتدفق المياه إلى الخارج. وفي حال وافقنا الباحث على هذا التشبيه الجميل والمعبر والدقيق، فإن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الأنظمة التي تدير البلاد التي فيها مشكلة أقليات. المعادلة واضحة ولا تحتاج إلى كثير فذلكة: حق التعبير عن الهوية الثقافية والدينية لكل المجموعات داخل الوطن الواحد، حتى إذا لم يتحقق ذلك فلا يلومن أحد هذه المجموعات على سعيها لسلوك طرق غير سلمية لتقرير مصيرها. ولا يمكن أن تجبر شعباً بالقوة على أن يكون جزءاً من الوطن الكبير، إذا كان لا يريد ذلك. وهو ما ينطبق على كثير من مشكلات الوطن العربي وأيضاً على العلاقة بين ناغورنو كره باخ وأذربيجان.

مشاركة :