لم تكن القصة القصيرة محظوظة مع جائزة نوبل، لكنها عرفت الطريق إلى قائمة شرف الفوز بالجائزة الكبرى في العالم، على يدي أليس مونرو التي لم تكتب سوى القصة القصيرة، وكانت كندا أيضا سيئة الحظ مع الجائزة، إلا أنها عن طريق مونرو أيضاً عرفت الطريق إلى الجائزة في عام 2013، وعلى ذلك فإن الأدب الكندي حديث النشأة كما يقول د. أحمد الشيمي - أستاذ الأدب الإنجليزي ومترجم مجموعة مونرو القصصية العاشق المسافر - فقد كانت انطلاقة هذا الأدب الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه استقر منذ تسعينات القرن العشرين، كأحد الآداب العالمية الكبرى، وما يميزه عن غيره هو هذا التنوع الثقافي، فالقارئ في الأدب الكندي يلحظ اهتمامه بموضوعات معينة تعكس هموم الوطن، ومن ضمن هذه الموضوعات البحث عن الهوية القومية والعلاقة الفاترة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو نوع من الصراع الذي يحتدم في نفوس الكنديين، أكثر مما يحتدم على أرض الواقع. هل تكتب مونرو القصة القصيرة حقاً؟، هذا السؤال طرحه الكثيرون عندما فازت بنوبل، خصوصا أنها لم تكتب غير القصة القصيرة، لكنها تكتب النوفيلا وهي نوع من السرد يقع بين القصة والرواية، ومن المرجح أنها لا تكتب هذا أو ذاك، إنها - كما يقول الشيمي - أعادت اختراع القصة القصيرة، وأعادت اختراع الرواية القصيرة، وأعادت اختراع الكثير من فنون الحكي، هذا ما رصده نقادها، وهذا ما صرحت به لصحيفة المورننج سايد بعد صدور مجموعتها القصصية أسرار مفتوحة عام 1994 فقد أسهمت في تطوير فن السرد، وشقت لنفسها طريقاً مائزاً. تقول الناقدة شارون بوتالا: عند ظهور كل مجموعة قصصية لأليس مونرو نجد أن قصصها تزداد طولا وتعقيدا، ونجد أنها أكثر اهتماما بالتفاصيل الصغيرة، وتكثر في قصصها من الحكمة والتفلسف، وتزداد إتقانا لعملها، وتصبح أكثر ميلا إلى الخيال والغرابة والروعة، هي معنية بالتعمق في نفسية المرأة، من دون أن تمنحك المفتاح الذي تستعين به على تفسيرها، وبينما تمنحك لغتها، الانطباع بأن الفهم يسير، وأن الوصول إلى السر أصبح قاب قوسين أو أدنى، فإن هناك عناصر أخرى تشدك إلى الغموض والإبهام. هل كانت أليس مونرو كاتبة روائية ضلت طريقها إلى القصة القصيرة؟، هل كانت تنفر من الرواية وتمل من قراءتها؟، أو لعل مونرو لم تكن تستطيع كتابة الرواية الطويلة، واستبدلت بها هذه القصص التي تكتبها، والتي تقع بين القصة والرواية؟ هي نفسها صرحت من قبل بأنها لم تكن تستطيع إنجاز رواية واحدة، لأن وقتها لم يكن يسمح، وكانت تقول: على مدى عشرين عاما لم يتح لي يوم واحد لا أفكر فيه فيما يحتاج إليه الآخرون، وهذا معناه أن الكتابة لم تكن إلا تطفلاً على تلك الواجبات الأسرية، أنا نفسي أعتقد أنها معجزة إن استطعت أن أنجز شيئاً ما. لم تكن مونرو تعتقد أن القصة القصيرة أقل شأنا من الرواية، وقد وصلت إلى أنها أهم كاتبة قصة قصيرة في العالم، لأنها تكتب القصص بعاطفة مفعمة بالصدق والعشق والحميمية، حتى تصبح قصصها مرآة كل قارئ، فالقراء يرون فيها أعماق نفوسهم، بل يرون فيها أعمال نفوسهم، قصصها تبلغ من الثراء حداً يجعلها روايات مضغوطة، يتجاور فيها الماضي مع الحاضر. قارئ مونرو يرصد أكثر من ظاهرة، منها أنها تنحاز إلى المرأة، وليس هذا معناه أنها ضد الرجل، فهي كاتبة عالمية لا يمكن أن تنحاز ضد الناس، ولا يمكن أن تفضل نوعا على الآخر، لكنها تنحاز إلى المرأة بمعنى أنها عارفة بمعاناة المرأة، ومدركة لمتاعبها، ومشفقة عليها من مفاجآت الحياة، وأغلبية النساء هنا تعيسة ومريضة ومضطربة وقلقة وسجينة، سجينة ظروفها الاجتماعية والبيولوجية والنفسية، وشخصيات النساء في هذه القصص تفاجأ بما ليس ضمن خريطة توقعاتها، وتعجز عن الخروج من المأزق الذي يواجهها، وتنتهي القصة دون أن يدرك القارئ مصيرها، ودون أن يقف على قرارها. هل هي رموز تشير إلى موقف الإنسان من الوجود وإلى معاناة البشر الصريحة والخفية، إنها شخصيات تدفعك إلى الاعتقاد بأن الخيال هو الذي نعيشه وأن الحقيقة مخفية بين طيات النفوس، وأن العالم الذي تنطوي عليه نفوسنا هو الحقيقة.
مشاركة :