"ما بين غمضة عين وانتباهتها يُغيِّر الله من حال إلى حال" كلمات قالها أحد الشعراء، تُصدِّقها الأيام ويشهد على حقيقتها الزمان، فقد يصير الفقير غنيًا بين عشيةٍ وضحاها، بل ثري من أثرى الأثرياء، لكن مع عدم معرفة كيفية التعامل مع تلك الثروة الهائلة التي كسبها الإنسان فجأة، قد يشعر بصدمةٍ، أو يتصرَّف مع المال بتبذير، أو سلوك متهور، ما يجعله يسقط فريسة لمتلازمة الثروة المفاجئة، فما هي تلك المتلازمة؟ وما أسبابها وسبل التعامل معها؟ صاغ ستيفن غولدبارت، المؤسس المشارك لمعهد المال والمعنى والاختيارات "Money, Meaning, and Choices Institute" مُسمَّى متلازمة الثروة المفاجئة، إذ لاحظ أنّه عندما يحصل إنسان ما على ثروة مفاجئة، فإنّه يقع تحت طائلة ضغوطات جديدة غير مُتوقّعة، وتحدث هذه المتلازمة إذا صارت تلك الضغوطات هائلة لدرجة يُواجِه فيها الإنسان صعوبات عاطفية أو سلوكية. قد يصحب متلازمة الثروة المفاجئة بعض الأعراض، التي تدلُّ على تخبُّط بعض الشيء لدى الإنسان، وفوران مشاعره، وعدم وجود رؤية واضحة حول ما يُمكِنه فِعله بهذا المال، وتشمل أبرز علامات متلازمة الثروة المفاجئة "SWS" ما يلي: عندما لا يكون المرء مُعتادًا على الثراء والغنى، فقد ينطلق في تفكيره إلى نقطة الاستحقاقية؛ هل يستحق هذه الثروة المفاجئة أم لا، ونتيجة لذلك قد يشعر بعض الناس بالذنب، ومِنْ ثَمّ يُعدّ ذلك الشعور من أعراض متلازمة الثروة المفاجئة، وللأسف فإنّ ذلك الشعور بالذنب ليس في محلّه على الأرجح، كما قد يُؤدِّي إلى مردودات سلبية على الصحة النفسية. مثلاً قد يُؤدِّي الشعور المزمن بالذنب إلى الاكتئاب، المُفضِي إلى الحزن المستمر والتشاؤم واليأس، والعزلة عمّن حولك، بل قد يتسبَّب في تغيُّرات في الشهية تُفضِي إلى زيادة الوزن أو نقصه. والشعور بالذنب مع امتلاك ثروة من المال ليس منطقيًا؛ لأنّ تحصيل الأمن المالي يُفترَض أن يجعل المرء سعيدًا، ما دام يستخدم المال بحكمة ولا يعبث به. تعتمد استجابة كل إنسان عند اكتسابه ثروة مفاجئة على خلفيته وظروفه المالية المسبقة، لكنّ الصدمة أمر شائع، فعندما تأتي الثروة إلى عتبة بابك، تنقلب الحياة رأسًا على عقب، وتتغيَّر نظرتك إلى مسؤولياتك وكذلك نظرة الآخرين إليك. وهذه التغييرات الكبيرة في حياتك قد تستغرق منك بعض الوقت للتأقلم معها، ومع ذلك فإذا استمرّت صدمتك هذه على مدار أسابيع وشهور، فإنّها تُصبِح جزءًا من أعراض متلازمة الثروة المفاجئة. خطورة الصدمة أنّها قد تجعل الإنسان لا يتعامل مع وضعه الجديد بما يتوافق معه، بل قد يُواجِه مشكلة في التعامل مع الأعباء المالية الصغيرة، بل قد يكون على النقيض من ذلك تمامًا وينخرط في استثمارات محفوفة بالمخاطر، أو التبذير في المال، أو وعد أصدقائه وأحبائه بما لا قِبل له به. قد يبدأ بعض الناس بالشعور بجنون الارتياب "جنون العظمة" عندما يخطر على البال فكرة خسارة المال، وفي حالة العملات الرقمية من الشائع أن يُثِير هذا الجنون حالة تُعرَف باسم "صدمة المؤشر Ticker Shock"، وهي تحدث عندما نترقّب بقلقٍ شديد تقلّبات سوق الأسهم للتأكد من أنّ ثروتنا أو استثماراتنا لا تفقد قيمتها. لكنّ جنون الارتياب ليس محصورًا في التعامل مع المال، بل قد يحدث بسبب التغيرات في العلاقات مع الآخرين، فبمُجرّد أن يُصبِح المرء غنيًا فجأة، قد تتغيَّر نظرة أحبائه السابقين إليه، ربّما يحسدونه أو يستاءون منه، وربّما تشعر أنت بالذنب أيضًا بسبب تصرفاتهم، بل قد تكون بحاجةٍ إلى عزل نفسك عنهم بعض الوقت كي لا يطولك شررهم، وهذا أمر مؤلم وصعب عليك بلا شك. اقرأ أيضًا:5 كُتب تكشف لك أسرار تكوين الثروة ينتاب المُصاب بمتلازمة الثروة المفاجئة القلق خوفًا من خسارة المال أو ضياع الفرص، ما قد يُؤدِّي أحيانًا إلى اتخاذ قرارات متهورة، قد تقضي على الثروة سريعًا. قد يُؤدِّي اكتساب ثروة مفاجئة إلى التركيز على الذات وتجاهل الآخرين، ما يُؤدِّي إلى توتر العلاقات، إذ يُركِّز الإنسان بصورة مفرطة على الوضع المالي الجديد له. التحديات المالية من المشكلات الشائعة مع متلازمة الثروة المفاجئة، كما قد تُؤدِّي إلى سوء اتخاذ القرارات أو الاندفاع، إضافةً إلى أنّ الأُمّية المالية التي يُعانِيها من بات غنيًا فجأة بين ليلةٍ وضحاها، تُفضِي إلى مشكلات في إدارة هذه الأموال. قد يُصبِح الإنسان ثريًا بين ليلة وضحاها، ويجد المال الوفير بين يديه بعد أن طارده لسنواتٍ طوال دون أن يحوز ما كان يرجوه، لكنّه الآن قد بات بين يديه، وبات مشغولاً بكيفية إنفاقه وما يحتاج إلى أن يقتنيه بهذا المال، والحقُّ أنّ هناك أسبابًا كثيرة قد يصير الإنسان بها ثريًا فجأة، وربّما يكون مُعرّضًا بعدها لمتلازمة الثروة المفاجئة، مثل: اقرأ أيضًا:ما هي إدارة الأعمال وفروعها ووظائفها لتحقيق الربحية والاستدامة؟ الثروة المفاجئة ليست شرًا ما دُمتَ تعلم كيف تتعامل معها، وكيف تُنفِق المال بوجهٍ صحيح، وهذه بعض النصائح التي تُساعِد على تجنُّب متلازمة الثروة المفاجئة: لا ينبغي الشعور بالذنب أو لوم الذات على اكتساب ثروة مفاجئة، فالأمن المالي الوفير أحد مصادر سعادة الإنسان بلا شك، وعادةً تأتي التغييرات الكبيرة في حياة الإنسان - حتى لو للأفضل - باضطرابات نفسية، وبدلاً من ذلك، حاوِل أن تتفاءل وأن تتعلّم كيف تتعامل مع الثروة الجديدة وكيف تُنمِّيها وما إلى ذلك، ولا بأس باستشارة شخصٍ يمكنك الوثوق به والبوح له بمشاعرك. حاوِل ألّا تتعامل مع المشتريات الفورية خاصةً في الأشهر القليلة الأولى من اكتساب الثروة المفاجئة، أي لا يُنصَح بالانطلاق في غمرة الشراء بمجرد اكتساب المال بطريقة يُمكِن للناس أن يُلاحظوها ويُلاحظوا النقلة النوعية الحاصلة في المعيشة، فمع معرفة الناس بوضعك المالي الجديد، قد يبدأ الحسد والجشع في الظهور عليهم، وربّما من الغرابة أن يُخبِئ الإنسان شيئًا كهذا عن الناس، لكن من الضروري أن تتلاشى تأثير تلك الثروة الضار عليك، والذي قد يأتي من الناس لا من الثروة ذاتها؛ لذلك يُفضّل وضع خطة لصرف المال بعناية وكيفية استثماره والاستفادة منه على الأمد الطويل. يُفضَّل استشارة خبيرٍ مالي في أقرب وقت، لوضع مخطط مالي يُناسِب الثروة المُكتسَبة، ويُنمِّيها ويُوجّهها بما يعود عليك بمكاسب لاحقة في المستقبل، ولا تترك نفسك مُنفِقًا للمال دون خطة واضحة لسبل إنفاقه وإلاّ فقد تنكمش الثروة كثيرًا ولا تلحظ ذلك إلاّ بعد فوات الأوان.
مشاركة :