أخلاق الناس قانونهم

  • 4/16/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تطرقت في مقالي الفائت (الأمة العربية بين المؤامرة وتطوير الذات) إلى رؤية مختلفة لنظرية المؤامرة، يفترض أصحابها أنَّ النية المسبقة ليست شرطاً في تحقق المؤامرة وفي محاربتها، بعض القرَّاء الأعزاء وجدوا أنَّ سبب تخلف أُمتنا العربية والإسلامية عموماً هو خارج مفهوم المؤامرة وتحديداً هو في عدم تطبيق الدين، ما أدى لكل هذا الفساد والتخلف الكبير، أصحاب هذا الرأي يجدون فيه القدرة على صناعة المستقبل الزاهر، فيما يرى آخرون أنَّ المسألة برمتها مرتبطة بتفاصيل لا تمثل بذاتها نقاط خلاف بين البشر وبجميع أديانهم وأفكارهم، فالمسألة في رأيهم ليس لها ارتباط بهذا الجانب. القانون والأخلاق هما مصطلحان مهمان ومتداخلان جداً، هناك قراءات واسعة وفلسفية في شرح الفرق بينهما، نتيجة بعض تلك القراءات هي الجملة القائلة إن (أخلاق الناس الحقيقية هي قانونهم)، في سياق التفصيل يرد أنَّ الأخلاق هي ما ترتبط بما يضمره الإنسان في داخله من مبادئ ونيات في حين يرتبط القانون بالسلوك الخارجي، نعم هناك رأي في القانون الجنائي يفترض أنَّ السلوك الخارجي للمعتدي يحتاج لدافع النية والقصد ليتحول إلى جناية، غير أنَّ أي نية مجردة من السلوك لا تمثل بذاتها جريمة، وبالنتيجة فإنَّ القانون وحده هو ما يجعل أخلاق الناس الظاهرية حسنة. الاحتكار والسيطرة على العقارات والمضاربة بها لرفع الأسعار، هي رذائل أخلاقية لن يمتنع التجار عن فعلها إلا حينما يكون هناك قانون واضح وتفصيلي دقيق يوضح آليات التملك بما يحفظ حقوق الشعب بأكمله، أخلاقيات التاجر الظاهرية إذن مرتبطة بالقانون، أما الباطنة فليست مهمة لأن صاحبها فقط هو من سيُسأل عنها يوم غد، المقاول الذي يقيم طريقاً أو جسراً، يحتاج بالتأكيد إلى مواصفات هندسية دقيقة لها علاقة بأمور كالصورة الهندسية ومواد البناء المستخدمة وجودتها، أخلاق المقاول ستكون حسنة حينما يكون هناك قانون يجعله ينفِّذ المواصفات والمقاييس كما يجب وحينما تكون عليه رقابة في التنفيذ، البحث عن الأخلاق هو في حقيقته بحث عن القانون، وهذه باختصار أزمة كثير من الدول النامية، لا يوجد شيء اسمه (محاربة فساد) بمعناه المادي، الفساد ليس أمراً نمسكه بأيدينا ثم ننهيه ونتلفه، الفساد هو في عدم وجود القانون المتضمن التفاصيل الدقيقة الصغيرة وفي عدم الرقابة على تنفيذها، إذا أردنا مجتمعاً خالياً من الفساد فلنصنع القانون وهو من سيجعل أخلاقنا الظاهرة وكافة سلوكياتنا حسنة. مقاصد الشريعة السمحة تُحدثنا عن ضروريات كثيرة تشكل بمجملها دائرة، يمثل محيطها الخط الفاصل بين الحلال والحرام، غير أنَّ التفاصيل الدقيقة غير موجودة، لا يوجد مثلاً أنَّ أنابيب الماء ينبغي أن تكون من مادة معينة وبسمك معين، لا يوجد مثلاً أنَّ إسفلت الشوارع ينبغي أن يتركب من مجموعة معينة من المواد وبدرجات دقيقة، لا يوجد كذلك رقم معين للمسافات بين كاميرات ساهر التي ينبغي أن توضع في الطرق، هذه التفاصيل الدقيقة ليس لها علاقة بدين أو فكر أو ثقافة، كل بلد في العالم يريد التقدم ينبغي عليه أن يفعل كل ذلك بغض النظر عن دينه وفكره وثقافته. في مونديال الفساد العالمي تبوأت الدنمارك المركز الأول في الدول الأقل فساداً وتلتها فنلندا ثم نيوزيلندا والسويد، أما مراكز المؤخرة فهي مقسمة بين السودان والصومال والعراق وأفغانستان، الدين لم يجعل هذه الدول متأخرة ولم يجعل تلك الدول متقدمة، الذي جعلهم كذلك هو القانون التفصيلي الذي يتناول الجزئيات الدقيقة، وآليات الرقابة والمحافظة عليه، لنبحث إذن في تلك الدول المتأخرة عن القانون التفصيلي والرقابة عليه، لنجد بالتأكيد أنَّه غير موجود البتة أو أنه مجرَّد حبر على ورق.

مشاركة :