كيف يُسيّرك عقلك؟ هكذا يعمل الدماغ البشري

  • 5/15/2024
  • 09:35
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

  يستمتع بعض الناس بتجربة أنواعٍ مُعيّنة من الطعام، بينما يجد بعضهم كل متعته في جني الإعجابات والمشاركات في وسائل التواصل الاجتماعي، وآخر يستمتع بقضاء أغلب الوقت مع من يُحب، فهناك خيط ناظِم لكل هذه الأمور وإن بدت مُتباعدة، إذ إن نظام المكافأة في الدماغ هو سرّ ذلك الإحساس الذي يسرُّ الإنسان عند القيام بأي مما سبق، وذلك بجانب نشاط الدوبامين الذي يُحفِّز الإنسان لتكرار ذلك السلوك مرة تلو الأخرى. كي نفهم سبب رغبتنا المستمرة في الاستمتاع بالطعام اللذيذ، أو الحب، أو الشوكولاته، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو التسوق، أو أي شيءٍ يُحقِّق لك لذّة ومُتعة أيًا كان نوع ذلك الشيء، فأنتَ بحاجةٍ إلى معرفة نظام المكافأة في الدماغ الذي يُهيمِن على هذه الأمور، والذي هو سِرّ ذلك الشعور الجميل الذي يأتيك من وقتٍ لآخر. نظام المكافأة أحد أهم الأنظمة الدماغية، فهو ما يُوجِّه السلوك الإنساني نحو ما يُشعِره باللذة، كما أنّه يدفع الإنسان بعيدًا عن الأشياء المؤلمة، أو التي تتطلّب مجهودًا، مثل الصراعات، أو الواجبات المنزلية، أو ما شابه ذلك. وفي قلب نظام المكافأة تكمن عواطفنا ومشاعرنا التي قد تدفعنا إلى بدء شيءٍ ما أو إيقافه، مثل الأكل، أو الحب، أو النظر إلى شيءٍ يسرُّ العين أو غير ذلك، كما أنّه هو النظام الذي يُقيِّم ما إذا كُنتَ ستُكرِّر أحد هذه السلوكيات أم لا، وما إذا كانت ستصير عادةً بالنسبة إليك أم لا. وعادةً ما تكون المكافآت "الأمور التي نشعر بالمُتعة عند ممارستها" بمثابة مُعزِّزات أي أنّها تُغرِينا لتكرار السلوك نفسه "دون وعي"، وذلك بمساعدة نظام المكافأة في الدماغ. يتكوّن نظام المكافأة من مجموعة من الخلايا العصبية في مناطق مختلفة من الدماغ، تستخدم الدوبامين، فمثلاً تتواصل الخلايا العصبية المُنتِجة للدوبامين في منطقة تُسمَّى "المنطقة السقيفية البطنية" مع الخلايا العصبية في منطقة "النّواة المُتّكئة" من أجل مُعالَجة المكافآت وتحفيز السلوك لتكرار الفعل.   الدوبامين هو مادة كيميائية عصبية تُشعِل نشاط الدماغ، وهو الناقل العصبي الذي يدفع الإنسان نحو الأشياء التي لها تأثير المكافأة عليه "الشعور باللذة"، وكذلك السلوكيات التي نحتاج إليها للبقاء على قيد الحياة، مثل الطعام والجماع والترابط بين الزوجين وتجنُّب الألم وما إلى ذلك. والطفرات المتكررة من الدوبامين في الدماغ - إثر التعرُّض للشيء المُمتِع بالنسبة لك - تُقوِّي المسارات العصبية التي تجعلنا نرغب في تكرار ذلك السلوك مجددًا، وهو موجود في الدماغ بكمية متوازنة معظم الوقت، لكن هذه الطفرات تزيد مستوياته بما يُؤدِّي إلى الشعور بالمُتعة. يُعزِّز الدوبامين كذلك الذكريات المُتعلِّقة بالمكافأة، إذ يُقوِّي نقاط التشابك العصبي - التقاطعات التي تُمرِِّر الخلايا العصبية من خلالها الرسائل إلى بعضها البعض - في مركز التعلم والذاكرة في الدماغ والحُصين "له دور في الذاكرة". كذلك تنتقل إشارات الدوبامين إلى مناطق الدماغ التي تُعالِج المشاعر، مثل اللوزة، وإلى المناطق المشاركة في التخطيط والتفكير، مثل قشرة الفص الجبهي، ما يخلق ارتباطات عاطفية مع المكافآت "الأمور التي سبَّبت لذّة أو مُتعة للإنسان". وليست المكافأة نفسها هي الحافز حقيقةً، بل توقّع المكافأة هو ما يُؤثِّر بقوة في ردود الفعل والذكريات العاطفية، فإذا كانت المكافأة أكبر من المتوقع، تزداد إشارات الدوبامين، وإذا كانت أقل من المتوقع، تقل إشارات الدوبامين، وفي المقابل فإنّ التنبؤ الصحيح بالمكافأة لا يُغيِّر إشارات الدوبامين؛ لأنّنا لا نتعلّم أو نكتسب شيئًا جديدًا. اقرأ أيضًا:كيف تؤثر لغتك الأم على طريقة تفكيرك؟ تختلف استجابات الدوبامين من شخصٍ لآخر، إذ تستجيب أدمغة بعض الناس للمكافآت بقوةٍ أكبر من العقوبات، بينما تستجيب أدمغة غيرهم للعقوبات بصورةٍ أكبر من المكافآت، وقد وجد الباحثون في جامعة فاندربيلت أنّ الأشخاص الأكثر استعدادًا للعمل الجاد لديهم إشارات أكبر للدوبامين في المُخطَّط وقشرة الفص الجبهي "وهما منطقتان معروفتان بتأثيرهما على الدافع والمكافأة". غالبًا ما تنطوي صناعة القرارات على تقييم المخاطر والمكافآت أو المكاسب المرجوّة، ويبحث علماء الأعصاب في كيفية موازنة الدماغ للمكافأة والمخاطر، وكيف تُؤثِّر الحالة العاطفية على هذا التوازن، فبالتأكيد يميل الإنسان إلى اتخاذ القرارات التي تجلب له المكافأة أو الشعور بالمُتعة، وينأى عن القرارات التي تُسبِّب له الألم. جديرٌ بالذكر أنّه مع تقدُّم العمر تتأثَّر القدرة على اتخاذ القرارات المُرتكزة على العاطفة - ربّما بسبب نضج قشرة الفص الجبهي الجانبية التي تنضج تدريجيًا - كما قد ينخرط المراهقون في سلوكيات أشدّ خطورة لأنّ أدمغتهم لا تزال في طور النضج - وإن كان ذلك ليس ثابتًا في كل المراهقين - كما قد يتخذ كبار السن قرارات خطيرة، إذ تتضاءل وظيفة قشرة الفص الجبهي مع تقدُّم العمر.   قد يشعر الإنسان بالملل ويفقد الدوبامين ونظام المكافأة تأثيرهما مع تكرار الفعل نفسه بمرور الوقت، كما أنّ استمرار تحفيز نظام المكافأة يدفع الإنسان نحو تحقيق الإنجازات بلا ريب؛ لذلك قد تُساعِدك النصائح الآتية في استدامة ذلك التحفيز: عندما يُكرِّر الإنسان فعل الأشياء مرارًا وتكرارًا، فإنَّ اندفاع الدوبامين في الجهاز العصبي يتراجع رويدًا رويدًا، ولإبقاء الدوبامين في قمّة مستوياته باستمرار، حاوِل أن تُنجِز أشياء أكبر مِمّا اعتدتَ عليه، والقيام بأعباء تُمثِّل تحديًا بالنسبة لك في العمل، أو لو كُنتَ رياضيًا فما إن تجري لمسافة مُعيّنة، إلّا وتُتبِع ذلك بمحاولة الجري لمسافةٍ أكبر، وهكذا في حركة دائبة لا تتوقّف يتعزَّز نشاط نظام المكافأة في الدماغ، ويستمر شعورك بالمُتعة في وظيفتك، أو عملك، أو هوايتك. يصحب التوتر عادةً التهابات مزمنة قد تشتعل في كافة أنحاء الجسم، ما يُضعِف الحافز أو يُؤدِّي إلى خفوت بريقه عمّا كان عليه، كما أنّ التفاعلات الكيميائية الناجمة عن التوتر قد تُفضِي إلى نقص الدوبامين في الدماغ، ما يجعل الإنسان فاقدًا للشغف، غير آبه بالمكافأة التي قد تكون في متناول يديه؛ لذلك ينبغي تجنُّب التوتر قدر المُستطاع لاستدامة نشاط نظام المكافأة والدوبامين في الدماغ. كثيرٌ منَّا ينظرون إلى تحدّيات العمل على أنّها عقبات أو أشياء لا يرغبون في فعلها، لكن هناك آخرين ينظرون إليها على أنّها فرصة لتحقيق نمو وظيفي واكتساب مهارات مختلفة، وعندما نمتلك هذه النظرة تجاه التحديات، فإنَّنا نتطلّع إلى مواجهتها لا الانزواء بعيدًا عنها، وهذا بحد ذاته قد يُنشِّط نظام المكافأة في الدماغ استعدادًا لتخطّي هذه العقبات التي تُعدّ مكافأة تمدّ الدماغ بالدوبامين ما أُنجِزت.

مشاركة :