الرباط - يعتبر المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط فعالية ثقافية بارزة تقام سنوياً في فضاء أولما بحي السويسي، إذ يُعَدُّ هذا المعرض واحداً من أكبر التظاهرات الثقافية في المملكة المغربية، ويُنَظَّم في شهر مايو من كل عام لمدة عشرة أيام، تحت رعاية الملك محمد السادس وبإشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل، حيث يشكل هذا الحدث فرصةً هامةً لجمع مختلف الفاعلين الثقافيين، من مؤلفين ورسامين وناشرين وفنانين، إضافة إلى زوار المعرض من جميع الفئات العمرية. ويشارك في المعرض سنوياً عدد كبير من دور النشر المتخصصة في مختلف المجالات المعرفية، بما في ذلك العلوم والاجتماع والسياسة والتعليم والاقتصاد، إذ يصل عدد دور النشر المشاركة إلى حوالي 800 دار نشر أجنبية وعربية من دول مختلفة، بالإضافة إلى المؤسسات الثقافية، مراكز البحوث، الجمعيات، والجامعات المختلفة. ولكن هل تعكس هذه الفعالية ارتفاع مستوى الثقافة ونسبة القراءة بين الرواد الذين يتوافدون على المعرض سنوياً، أم أن ثقافة الصور والتقاط السيلفي قد هيمنت على المشهدين الفني والثقافي معا؟ يفترض أن يكون معرض الكتاب فرصة ذهبية للقراء للاطلاع على أحدث الإصدارات، والالتقاء بالكتاب والمفكرين، والمشاركة في ندوات ومناقشات تثري الفكر، لكن للأسف، تحول هذا الحدث الثقافي في السنوات الأخيرة إلى مجرد بهرجة اجتماعية، حيث يقتصر اهتمام البعض على أخذ الصور التذكارية مع الكتاب والكتب دون الانغماس الحقيقي في محتواها، وهذا التوجه يعكس واقعاً مقلقاً في مجتمع تقل فيه معدلات القراءة السنوية إلى مستويات مخجلة، إذ أصبح من الضروري إعادة النظر في دور معارض الكتب ليس فقط كمهرجانات اجتماعية، بل كمنصات حقيقية لتعزيز القراءة والتفكير النقدي بين مختلف شرائح المجتمع، وتشجيع الشباب والكبار على القراءة الفعلية، وتنظيم فعاليات تتجاوز الشكلية إلى الجوهرية، هو السبيل الوحيد لاستعادة المعنى الحقيقي لمثل هذه الأحداث الثقافية العريقة. وتشير تقارير منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة إلى أن الفجوة في معدلات القراءة بين العالم العربي والعالم الغربي تبدو هائلة، حيث يقرأ الطفل الأميركي متوسط 6 دقائق يوميًا، بينما يصل متوسط القراءة للطفل العربي إلى 7 دقائق سنويًا فقط، ما يشير إلى فارق كبير في الوقت المخصص للقراءة بين الجانبين. ويُقرأ في العالم العربي متوسط ربع صفحة فقط سنويًا من الكتب بينما يصل إلى 200 ساعة سنويًا للفرد الأوروبي، وهذه الفجوة ليست مقتصرة على معدلات القراءة فحسب بل تمتد أيضًا إلى إصدارات الكتب، حيث تظهر الأرقام الصادرة عن المنظمة أيضًا أن العالم العربي ينتج نحو 1650 كتابًا سنويًا، بينما تبلغ الأرقام في الولايات المتحدة 85 ألف كتاب سنويًا، وهذا يعكس تحديات كبيرة تواجه الثقافة القرائية في العالم العربي، بما في ذلك الوصول المحدود إلى المواد القرائية وقلة الاستثمار في التعليم والثقافة. أما الإحصائيات في المغرب فهي دائماً محط نقاش نظراً لعدم دقتها في معظم الأحيان، ويرجع ذلك إلى عدم توفر المعطيات المفصلة التي تستند إليها، ومع ذلك لا يمكن إنكار أن المغرب يواجه أزمة حقيقية في مجال القراءة، حيث تم تصنيفه قبل سنوات من قبل اليونسكو في المرتبة 162 عالميًا في مجال القراءة والكتابة. ووفقًا للإحصائيات الرسمية التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، فإن أكثر من 97% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و 14 سنة لا يقرؤون. إن تعزيز ثقافة القراءة والتثقيف يعد أمراً حيوياً لتطوير مجتمعاتنا بما يتناسب مع تقدم العصر وتحقيق التنمية المستدامة، إذ يظهر الواقع بأننا بحاجة ماسة إلى تغيير الصورة النمطية التي تروج لنا على أننا شعوب يعشقون الكتب وينغمسون في عالم الثقافة ونعشق تربية القطط والكلاب مثل الغرب، فالواقع يختلف كثيراً عن ذلك في حين يمكن أن تكون السيلفي وثقافة مشاركة الصور جزءاً من التواصل الاجتماعي الحديث، إلا أنها لا يجب أن تكون بديلاً للثقافة العميقة والتعلم المستمر، إذ ينبغي أن نتذكر دائماً أن الصورة التي نُظهرها عن أنفسنا عبر وسائل التواصل ليست بالضرورة الصورة الحقيقية، وأن السعي وراء المثالية الظاهرية يجب ألا يعرقل السعي للتطور الحقيقي وتحقيق الإنجازات. وعلى الرغم من أن تطوير البنية التحتية والمعرفية يستغرق وقتاً وجهداً، إلا أن الاستثمار في التعليم وتشجيع القراءة هو الطريق الوحيد لتحقيق التنمية والارتقاء بمستوى المجتمع، إذ يبقى الكتاب نافذة مفتوحة على عوالم لا نهائية من المعرفة والإبداع، وهو الوسيلة التي تربط القراء بمختلف الثقافات والأفكار عبر الزمن، حيث أن علاقة القراء بالكتب تتجاوز مجرد الاستهلاك المادي للورق والحبر، لتصبح علاقة تبادلية يغذي فيها الكتاب العقول وينمي الأفكار وينعش الروح، وهذا الارتباط العميق بين الكتاب والقراء يمكن ملاحظته بوضوح في معارض الكتب التي تُعقد في مختلف أنحاء العالم، والتي تهدف إلى تعزيز حب القراءة ونشر الثقافة والمعرفة بشكل مستمر. إن اقتناء الكتب والبهرجة الضخمة ليست بالضرورة دليلًا على القراءة الفعلية في المجتمع، إذ يمكن أن تكون هذه العوامل مجرد وسائل للتباهي أو للتظاهر بالثقافة دون أن يكون هناك اهتمام حقيقي بالقراءة والتعلم، فعلى الرغم من أن الكتب والمواد الثقافية المتاحة بالتأكيد تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الوعي والمعرفة، إلا أن القراءة الفعلية تتطلب الالتزام والاهتمام الحقيقي بالموضوعات الجوهرية بعيدا عن الادعاءات الزائفة والصور المصطنعة.
مشاركة :